الأخطاء القاتلة لمرسي في السياسة الخارجية.. لماذا فشل الإخوان؟
تسلمت جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر في يونيو 2012، بعد انتخابات ماراثونية تمكنوا من خلالها في الانتصار على الدولة العميقة من خلال تعديل قانون الانتخابات في مجلس الشعب قبل حله، حيث سمح التعديل بإجراء الفرز في اللجان الفرعية مع إلزام القاضي بإعطاء وثيقة مختومة بنتيجة الفرز، وهو ما منع لجنة الإنتخابات التي عينها العسكر من تزوير النتيجة، وتسلم مرسي الحكم بعد جدل سياسي مع المجلس العسكري وأنصاره. وبعد تسلم السلطة قام مرسي في خلال فترة حكمه التي لم تتجاوز العام، بإعلان الحرب على المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، بالرغم من عدم اكتمال تأمين الجبهة الداخلية وتطهير الدولة من أذناب النظام القديم التابع للغرب، الأمر الذي عجل بانتهاء التجربة الإسلامية سريعا عبر انقلاب عسكري نموذجي.
تسلم الرئاسة وتطهير الدولة العميقة
ظن الإخوان أنهم بتسلمهم لمؤسسة الرئاسة قد تمكنوا من مقاليد الحكم، وقام مرسي بعزل عدد كبير من ضباط الجيش والشرطة، فضلا عن تغيير قادة المجلس العسكري واختيار السيسي وزيرا للدفاع بعد ثناء أحد قيادات الإخوان عليه، ثم إقالة النائب العام بموجب الإعلان الدستوري المثير للجدل في ديسمبر 2012، وتعيين نائب عام من قضاة تيار الاستقلال. كما واكبت تلك التغييرات تعيين المستشار هشام جنينة رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، وتعيين رؤساء جدد للمخابرات والرقابة الإدارية والبنك المركزي، كما نجح مرسي بتجاوز محاولات بعض رجال الأعمال الموالين للنظام القديم من التلاعب بسعر العملة المصرية بعد أن قام الألاف من المصريين المقيمين بالخليج بتحويل مدخراتهم للدولار وإرسالها لمصر، الأمر الذي رفع حصيلة التحويلات إلى 18 مليار دولار، مما قلل من تأثير محاولات التلاعب بسعر العملة.
السياسة الخارجية لمرسي
تزامنت تحركات مرسي لتطهير الجبهة الداخلية، مع تحركاته لتشكيل تحالفات سياسية مع كل من إيران وتركيا والسودان وباكستان، كما حاول مرسي سد العجز في الغاز عبر استيراده من روسيا وقطر، فضلا عن محاولات التعاون مع تركيا لتطوير حقول الغاز في البحر المتوسط، بالتوازي مع قطع الغاز المصري عن إسرائيل في مارس 2013، الأمر الذي قابلته الشركات الغربية العاملة في حقول الغاز المصرية بإبطاء إستخراج الغاز للضغط على متخذ القرار المصري.
مشاركة الصين في تنمية محور قناة السويس
تحاول أمريكا كبح جماح الطموح التجاري للصين عبر التحكم بممرات التجارة العالمية مثل قناة بنما وقناة السويس، كما أن معظم تجارة الصين تمر من مضيق ملقا الاستراتيجي الواقع بين سنغافورة وأندونيسيا والذي يخضع لحماية الجيش الأمريكي عبر قاعدة الدعم البحري في سنغافورة، لذلك قامت الصين بإنشاء ممر بري من غرب الصين إلى بحر العرب حيث ميناء جوادر في باكستان، لنقل وتصدير البضائع الصينية لأوروبا وإفريقيا دون المرور بمضيق ملقا، لتجنب عبور البضائع الصينية بجانب الأسطول الأمريكي، كما مولت الصين إنشاء قناة نيكاراغوا شمال قناة بنما، لمرور التجارة الصينية بعيدا عن سطوة البحرية الأمريكية. لذلك يفسر البعض تحالف مرسي مع الصين في تطوير منطقة محور قناة السويس الممتد على مساحة 7 آلاف كيلومتر بمثابة إعلان للحرب على المصالح الأمريكية في المنطقة، كما يتضمن المشروع إنشاء مناطق صناعية وموانئ لتقديم الخدمات اللوجستية، بما يهدد تفرد ميناء دبي في تقديم تلك الخدمات.
دعمه لحماس وللثورة السورية
لم تكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (نوفمبر 2012)، إلا محاولة لقياس مدى الدعم المصري والتركي لحركة حماس بعد وصول مرسي للحكم عام 2012 والفتح الدائم لمعبر رفح، حيث بدأ التصعيد من الجانب الإسرائيلي بعد إغتيال نائب القائد العام لكتائب القسام أحمد الجعبري، وردت حماس بإطلاق صواريخ على تل أبيب لأول مرة في تاريخها، كما كان الدعم المصري السياسي والإعلامي قويا بإرسال مرسي لرئيس وزرائه هشام قنديل لقطاع غزة في اليوم الثالث للحرب، متبوعا بـ 10 وزراء خارجية عرب بعد 4 أيام، فضلا عن زيارة رئيس جامعة الدول العربية نبيل العربي ووزير خارجية تركيا، في حشد للدعم العربي والإسلامي لحكومة حماس في غزة. كما قام مرسي بدعم الثورة السورية سياسيا وإعلاميا بالتوازي مع الدعم التركي لها، الأمر الذي وجه أنظار الغرب لمدي التنسيق بين مرسي وأردوغان في المنطقة، ومحاولة التيار الإسلامي الصاعد للعب دور محوري في تشكيل خريطة المنطقة لصالحه.
التنسيق مع القوى الإسلامية والحكومات المناوئة لأمريكا
رغم سفر مرسي لنيويورك لحضور إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد شهور قليلة من توليه الرئاسة، إلا أنه تجاهل لقاء الرئيس الأمريكي أوباما، الأمر الذي يكشف عن تصاعد التوتر بين جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية. وعلى الجانب الأخر قام مرسي بمحاولة تنسيق المواقف السياسية والاقتصادية مع الدول التي تميل للحكم الإسلامي على اختلاف توجهاتها، تماشيا مع خطي أربكان في محاولته إنشاء مجموعة الثماني الإسلامية، فقام بزيارة تركيا لحضور مؤتمر العدالة والتنمية، كما قام بزيارة للبشير في السودان، واتفق معه على زراعة القمح وتوريد المواشي من دارفور، لسد الاحتياجات الغذائية لمصر بعيدا عن النفوذ الأمريكي، وقام باستقبال رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد في القاهرة بعد زيارة مرسي لإيران لحضور القمة الإسلامية، في إطار تنسيق المواقف مع إيران في الملف السوري، ومحاولته للتقرب من طهران على حساب السعودية والإمارات المعاديتان للربيع العربي.
كما قام مرسي بزيارة باكستان قبيل الانتخابات البرلمانية بأيام وإلتقي رئيسها، في محاولة للتنسيق مع القوى الإسلامية النووية الوحيدة، في المجال العسكري والاقتصادي والسياسي، وسعيا لتشكيل تحالف إسلامي بين مصر وإيران وباكستان وتركيا والسودان. كما زار مرسي كل من البرازيل والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، في إطار محاولته الرامية لدخول مجموعة البريكس الاقتصادية (الدول الأسرع نموا في العالم)، ضمن مخطط مرسي للاستقلال السياسي والاقتصادي بعيدا عن التبعية الأمريكية. وتزامنت محاولات جماعة الإخوان المتسارعة والعلنية لتشكيل تحالفات سياسية واقتصادية مستقلة عن الغرب، مع وصول الإخوان للسلطة في كل من تونس واليمن والمغرب، الأمر الذي شجع رئيس الوزراء التركي أردوغان لإظهاره للهوية الإسلامية ورفع الحظر على الحجاب في المؤسسات الحكومية والتوسع في إنشاء مدارس إمام وخطيب.
الإطاحة بالتحالف الإسلامي
أدرك الغرب أن وجود جماعة الإخوان المسلمون في الحكم في عدة دول مثل تونس ومصر واليمن بالإضافة لروافدها في غزة وتركيا، فضلا عن وجود حكم إسلامي في السودان، يمكن أن يشكل تحالف يهدد مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة، فقامت أمريكا بمعاونة الأنظمة الوظيفية في السعودية والإمارات بالتنسيق لعمل إنقلاب عسكري في مصر، والذي حدث بسهولة بسبب ثقة مرسي وجماعته في ولاء عبد الفتاح السيسي لهم بالرغم من تحذير عدة شخصيات إسلامية مثل حازم أبو إسماعيل من محاولات السيسي لقيادة إنقلاب عسكري.
وفي تركيا حاولت أمريكا عبر جماعة فتح الله جولن تدبير انقلاب قضائي على أردوغان في 2013، ثم محاولة توريطه في المستنقع الكردي في 2014، وانتهاءاً بالانقلاب العسكري على أردوغان عام 2016، والذي فشل نتيجة إتخاذ أردوغان تدابير احترازية لمنع وقع انقلاب عسكري عقب وصوله للسلطة عام 2003، عبر إنشاء قوات شرطة خاصة. كما تم تقديم الدعم لفلول النظام القديم في تونس ودفعه للتحالف مع التيار العلماني، ونتج عن ذلك التحالف فوز السبسي (أحد وزارء بن علي) برئاسة البلاد وتقهقر حزب النهضة الإسلامي لمقاعد المعارضة. كما تمت الإطاحة بحزب الإصلاح اليمني من السلطة إثر تحالف الرئيس اليمني السابق مع الحوثيين، الذين قاموا بالإطاحة بالحكومة اليمنية عقب إنقلاب عسكري عام 2014، الأمر الذي دفع الإمارات للدخول لجنوب اليمن بحجة دعم الشرعية بينما كان الدافع الرئيسي هو استعادة ميناء عدن التي طردت منه عام 2012.
لماذا فشل الإخوان؟
تسرع مرسي بمحاولة الاستقلال السياسي والاقتصادي عن الغرب وسارع بتكوين تحالفات على أساس أيدولوجي واقتصادي، قبل استكمال بناء مؤسسات الدولة والتطهير الكامل للمؤسسة القضائية والشرطية والعسكرية وإجراء الانتخابات البرلمانية، كما فشل الإخوان في بناء جماعة وطنية صلبة تشاركهم في وضع رؤية مشتركة لكيفية الخروج من تحت عباءة التبعية، الأمر الذي ساهم في سهولة تكتل القوى الداخلية المعارضة لحكم الإخوان مع القوى الإقليمية المتخوفة من وصول المد الثوري لها، بالإضافة للنظام الدولي الرافض لانتشار الإيديولوجيا الإسلامية، مما ساعد على إخراج المشهد الانقلابي وإظهاره في صورة ثورة ضد حكم الإخوان، كما لم يستفد الإخوان من تجربة أردوغان بتأجيل معركة الهوية ومهادنة الغرب، لحين استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية وتطهير المؤسسات من الخونة. فهل تعلم الإخوان من تجربتهم الأولي في الحكم، أم أنهم بحاجة لبذل المزيد من الدماء لفهم الواقع السياسي؟