فن

“ندابات” في عرض فني في لندن

في قلب لندن، يجري مشروع فني فريد من نوعه، حيث جمعت الفنانة الأمريكية، تارين سيمون، عددا من الندابات من أنحاء العالم، بدء من أذربيجان وصولا إلى فنزويلا، لأداء عرض موسيقي يستكشف كيف يرثي البشر من الثقافات المتنوعة أحباءهم الذين يرحلون عن الحياة.

ولعدة مرات في اليوم، يجتمع حشد صغير من الأشخاص على رصيف بجانب مدخل غير محدد المعالم، شمالي لندن، لمشاهدة العرض.

وتبدو الأبواب الرمادية الضخمة للمكان مثل شيء وضعه بنَّاء على عجل.

لكن خلف تلك الأبواب، وأسفل الدرج الخرساني المنحدر، يوجد منشأة فنية يجري إعدادها منذ سنوات.

وقبل بدء كل عرض، يُقاد الجمهور في هدوء إلى أسفل، حيث معرض دائري فوق مساحة فارغة في الوسط.

ثم يظهر نحو عشرين مؤدي ومؤدية في الأسفل، ويأخذون مواقعهم حول حافة الظلام.

ثم يبدأ الندابون في العويل والصراخ بلغاتهم المختلفة، سواء فرادى أو في مجموعة من شخصين أو ثلاثة.

إنها مهنتم التي اختاروها؛ وهي أن يندبوا الموتى.

وأتى هؤلاء الندابون من غانا، واليونان، والصين، وبوركينافاسو، وقيرغيزستان، وأماكن أخرى.

ولمدة 45 دقيقة، يترك المنظمون الجمهور يتجول في المكان بحرية، بينما تتلاقى موجات غير عادية من الأصوات عبر الظلال، وفي الخلفية يلعب أنيبال جونزاليز من الإكوادور، والذي لا يظهر للمشاهدين، على آلة الأوكورديون أيضا.

تأثير هذه الأصوات على الجمهور ساحر، فوضوي، غامض، وأحيانا مرعب.

وكانت نسخة مختلفة من ذلك المشروع الفني قد نُفذت قبل عامين، في مؤسسة بارك أفنيو أروموري الثقافية في مانهاتن.

المؤدون متاحون إلى حد كبير تحت الطلب في المنزل، ويقدم أنيبال غونزاليز عرضه لما قد يصل إلى خمس جنازات يوميا. وبعضهم يؤدون فقراتهم الرثائية على خشبة المسرح.

وتقول الفنانة تارين سيمون إن ثقافة الندب أو الرثاء تركز غالبا على النساء.

وتابعت سيمون: “سرعان ما أدركت أن نوع الجنس يلعب دورا كبيرا في تلك المهنة. بعض أشكال الندب يؤديها فقط النساء للنساء”.

وأضافت: “النساء يسكبن الدموع التي لا يسكبها الرجال، لأن الرجال غير مسموح لهم بالبكاء… وفي بعض أشكال الرثاء، تضطر النساء للوقف أمام حائط، وإرهاق أنفسهن في عملية الحزن، ويصبحن بديلا لحزن الرجال”.

وتقول سيمون إن أولئك الذين نشأوا في ثقافات أخرى لا تعرف الندب، عليهم أن يمروا بقفزة ذهنية لكي يتقبلوا فكرة رثاء شخص لا يعرفونه.

وتضيف: “في بعض الحالات، تبكي الندابات تلقائيا، ودون أي تصنع”.

ومن هؤلاء “أفوا أشيمبوماه” و”هانا كودواه”، وهما ندابتان من غانا، حيث ينظر إلى البكاء على أنه تقدير للمتوفي، وكلما زاد البكاء زاد ذلك التقدير.

اليونان دولة أوربية لا تزال تحتفظ بثقافة قوية للرثاء مدفوع الأجر.

وتتردد أصوات المؤدين فانغاليس كوستس، نوتا كالتسوني، نيكوس مينوداكيس عبر المكان.

وبينما يغادر الجمهور مكان العرض، يتسلم الحضور كتيبا صغيرا، يسجل الجهود المضنية للحصول على تأشيرة الدخول لكل واحد من المؤدين الذين جاؤوا إلى لندن.

ويهدف ذلك عمدا للربط بين الثقافات القديمة والمخاوف السياسية الراهنة.

المصدر : BBC

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى