أزمة “حماس” المالية تتفاقم: حملة حصار تتصدرها الإمارات والسعودية
تمر حركة “حماس” بضائقة مالية هي الأكبر منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود، إلا أن الجديد هذه الفترة يكمن في الإجراءات المشددة التي اتخذتها أطراف، بينها دول عربية، من أجل تجفيف منابع تمويلها. وخلال الآونة الأخيرة، أعلنت “حماس” عن آليات جديدة لتلقي الدعم، كان أبرزها ما كشف عنه ذراعها العسكري “كتائب القسام” الذي اتخذ من العملة الرقمية “البتكوين” طريقاً لتلقي الدعم، إلى جانب اعتماد الحركة على إدراج ضخ الأموال ضمن التفاهمات من أجل دعم الأسر الفقيرة والمحافظة على ديمومة الأموال. ويتزامن الأمر مع معلومات مؤكدة عن اعتقالات جرت أخيراً في السعودية بحق فلسطينيين بتهمة جمع أموال ونقلها إلى الحركة في قطاع غزة، إلى جانب إعلان السلطات الألمانية أخيراً عن إغلاق مؤسسات فلسطينية، على خلفية مزاعم جمعها أموالاً لحركة “حماس”. وأكدت مصادر في “حماس”، لـ”العربي الجديد”، وجود إجراءات مشددة من دول خليجية، وتحديداً من الإمارات والسعودية، على جمع الأموال لصالح القضية الفلسطينية، سواء من خلال الأشخاص أو حتى الجمعيات الهادفة لدعم الشعب الفلسطيني وتمويل مشاريع تنموية وخيرية.
ولا تخفي الحركة هذا الأمر، إذ تحدث رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، خلال جلسة جمعته بالفصائل الفلسطينية قبل أيام، عن حرب قديمة جديدة متطورة تهدف لتجفيف منابع تمويل قوى المقاومة الفلسطينية والعربية. وهو ما سار عليه الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة خالد مشعل، الذي تحدث عن أن القضية الفلسطينية، وتحديداً المقاومة، تواجه أزمة تمويل حالياً، في الوقت الذي تمكّنت فيه من التغلب على إشكالية شراء السلاح ونقله إلى غزة عبر تصنيعه محلياً.
وأكد عضو المكتب السياسي لـ”حماس” محمود الزهار، لـ”العربي الجديد”، علم حركته بوجود اعتقالات أخيراً على خلفية جمع أموال للقضية الفلسطينية أو الحركة، وهو الأمر الذي وصفه بأنه من أجل الهرولة وراء التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وقال الزهار إن هناك سياسة متبعة منذ سنوات طويلة تستهدف التمويل المتعلق بالقضية الفلسطينية وقوى المقاومة، في الوقت الذي يتزامن فيه هذا الأمر حالياً مع هرولة واضحة وسير خلف التطبيع والانفتاح على الاحتلال. وعن تأثير هذه المحاولات على حركته وانعكاسها سياسياً، شدد الزهار على أنه لا توجد أي انعكاسات على سلوك الحركة سياسياً، إذ إنها لا تزال تحافظ على المنهج ذاته والمواقف المعلنة نفسها منذ تأسيسها. وتابع “في تصوري نحن أفضل حالياً، خصوصاً أن الشارع الفلسطيني، باستثناء بعض المُطبعين فقط، يسيرون على النهج والفكر ذاته الذي نحن فيه، إضافة إلى الإمكانيات والأدوات التي جرى تطويرها خلال السنوات الماضية”.
وفرضت السلطة الفلسطينية، وعبر سلطة النقد التابعة لها، والتي تعادل البنك المركزي، إجراءات مشددة على إجراءات التحويلات المالية المنقولة إلى غزة من خلال البنوك والقنوات الرسمية، في الوقت الذي سارت فيه حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى باتجاه البحث عن مصادر غير رسمية لنقل الأموال. وخلال السنوات الماضية، أغلقت السلطة مئات الحسابات الخاصة بالجمعيات الخيرية ذات الطابع الإسلامي، التي كان الكثير منها يتبع للحركة ولفصائل فلسطينية أخرى، وهو ما أثر على قدرتها على تنفيذ الكثير من البرامج الاجتماعية والاقتصادية في غزة. وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، لـ”العربي الجديد”، إن “كل ما يجري الآن في المنطقة يندرج ضمن سياسات ميدانية في الإقليم العربي نابع من خطة استراتيجية تتشارك بها أطراف فلسطينية وإقليمية ودولية”. واعتبر أن “هذه الخطة تهدف إلى تصفية معسكر المقاومة بجميع عناصره، وعلى رأسه حركة حماس، عبر ملاحقة أي شخص أو مؤسسة على علاقة بجمع الأموال ونقلها للمقاومة الفلسطينية في غزة”. وأوضح أن “هناك إجراءات تجري حالياً في المنطقة تستهدف أشخاصاً، بالإضافة إلى إجراءات في أوروبا، كان آخرها في ألمانيا، من خلال ملاحقة لمؤسسات تحمل طابعاً إسلامياً، يعتقد أن لها علاقة بجمع أموال للفلسطينيين وللقطاع”.
ويُستدل مما يجري حالياً أن هذه الرؤية التي تستهدف تجفيف منابع تمويل “حماس” والمقاومة الفلسطينية تهدف إلى إضعافها وانتزاع مواقف سياسية لها علاقة بما يجري في المنطقة حالياً على اعتبار أن المال عصب العمل، وفقاً لمحيسن. وبشأن إمكانية تكرار نموذج منظمة التحرير الفلسطينية مع “حماس” وقوى المقاومة في غزة، استبعد محيسن إمكانية ذلك نتيجة للاختلاف الجغرافي، على اعتبار أن فصائل المقاومة الفلسطينية موجودة في القطاع وليس في دول عربية، كما حدث مع المنظمة في ثمانينيات القرن الماضي. ونبّه إلى أن حركة “حماس” تمتلك من القوة العسكرية ما يمكّنها من إزعاج الأطراف الفاعلة في المنطقة من خلال عملية التطوير المستمرة لقدراتها خلال السنوات الماضية، إلى جانب وجودها على الأراضي الفلسطينية، مع ما تقوم به من محاولات متواصلة لنقل المال لغزة.
وخلال التفاهمات الأخيرة مع الاحتلال، التي جرت بوساطة قطرية ومصرية وأممية، كان واضحاً التركيز على نقل الأموال إلى القطاع مع زيادة أموال المنحة القطرية، أملاً في التخفيف من الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي نتيجة للتشديدات المالية المفروضة على غزة.