أعطيتهم زهرة عمري فأعادوه نعشا
عندما وافق محمود العلالي اللبناني على السماح لطليقته الفلسطينية أماني شحادة بالسفر إلى بلجيكا مع ابنهما الوحيد دانيال لتأمين مستقبل له غير متوفّر في وطنه الأم لبنان، لم يكن يعلم أنه يقطع تذكرة السفر الأخيرة لـ”فلذة قلبه” من هذه الحياة.
وأكثر ما يحزّ في قلب الوالد المفجوع أنه علم بوفاة ابنه في بلجيكا عبر وسائل الإعلام بعد يومين من وقوع المُصيبة.
“أعرف صوت دانيال”
وعن تلك المأساة، يروي الوالد محمود بألم وغصّة يخرقها البكاء لـ”العربية.نت” ما حصل مع ابنه دانيال في بلجيكا “الله لا يوفّقن”. لا أعرف ماذا فعلوا بابني؟ آخر اتّصال بيننا كان مساء الأحد الفائت، اذ تحدّثنا عبر “سكايب” وأخبرني أنه بدأ يتأقلم في بلجيكا بعد خمسة أشهر على وصوله برفقة والدته إنه يُحرز تقدّماً كبيراً في تعلّم اللغة الأجنبية. وبعد يومين اتّصلت به مجدداً لأطمئن عليه كما أفعل كل يومين، إلا أن والدته ردّت على اتّصالي وكان صوتها “خافتاً” فسألتها أين دانيال؟ فقالت أنا هو فأجبتها: أعرف جيداً صوت ابني أين هو فقالت إنه لا يزال في المدرسة”؟
وعُثر على جثة الطفل دانيال (9 سنوات)، مقتولا في مركز لطالبي اللجوء في منطقة أنفير الواقعة شمال بلجيكا بعد يومين من اختفائه.
وكأن قلبه كان دليله بأن شيئاً ما حصل لدانيال، فعاد محمود واتّصل بابنه مجدداً بعد ليل ثقيل بالأفكار “السوداء”، كما يقول، إلا أن أحداً لم يُجب على اتّصالاته. وبعد محاولات عديدة ردّت خالة دانيال فسألها بلهفة: أين ابني؟ فقالت إنه يلعب على درّاجته الهوائية مع أصدقائه، فطلبت منها أن يُكلّمني فور عودته إلى المنزل”.
فدية 100 ألف دولار
قلق الوالد محمود على ابنه بدأ يزيد، فاتّصل بأحد أنسابه في بلجيكا طالباً منه التوجّه إلى مركز طالبي اللجوء في منطقة أنفير للاستفسار عن أحوال دانيال، فأخبره أن ابنه مخطوف منذ 4 أيام وخاطفوه يطلبون مئة ألف يورو للإفراج عنه.
أصيب محمود بالصدمة عند سماعه الخبر فسارع للاتّصال بأشقائه وأقاربه في ألمانيا طالباً منهم التوجّه فوراً إلى بلجيكا لمعرفة ما يحصل.
وأضاف “عندما وصلوا تفاجأوا بوجود الشرطة تطوّق مركز طالبي اللجوء ومعهم كلاب بوليسية وعدد كبير من وسائل الإعلام. فأخبروني أن دانيال قد اختفى منذ مساء الاثنين والشرطة تبحث عنه”.
وقال “أكثر ما يحزّ في قلبي أنني علمت بتفاصيل ما حصل لابني الوحيد عبر وسائل الإعلام، حتى إن أقارب طليقتي كانوا يريدون إقامة مراسم دفنه ظهر الجمعة من دون علمي، إلا أن أشقائي وأقاربي الموجودين في ألمانيا تواصلوا مع السفارة اللبنانية في بلجيكا طالبين عدم دفنه هناك بل نقله إلى مسقط رأسه في لبنان بعدما أثبتوا للسلطات البلجيكية عبر جواز سفره أنه لبناني وليس فلسطينيا”.
دم ابني لن يذهب هدراً:
وكانت السلطات البلجيكية قد أوقفت خمسة أشخاص، الأربعاء، للتحقيق في وفاة الفتى المولود في لبنان، والذي كان يُقيم مع والدته (26 عاماً) في مركز لطالبي اللجوء في رانست (شمال) قبل اختفائه، مساء الاثنين.
وأفادت مصادر أن جميع الموقوفين فلسطينيون (منهم من مدينة طرابلس شمال لبنان ومخيم عين الحلوة جنوب لبنان)، بينهم ثلاثة يقيمون في المركز. وقالت النيابة العامة البلجيكية التي وضعت يدها على القضية إن الفلسطينيين الخمسة الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و24 عاما اتهموا رسميا “باحتجاز رهينة وقتل”.
وبحسب معلومات خاصة لـ”العربية.نت” فإن عملية خطف دانيال لم تكن الأولى، إذ خطف سابقاً قبل أن يُطلق سراحه بعد أربعة أيام. وكان الخاطفون يريدون أموالاً من والدته كدين مُستحق عليها مقابل تأمين طلب لجوئها إلى بلجيكا.
وشوهد الطفل دانيال البالغ من العمر تسع سنوات للمرة الأخيرة حياً على دراجته الهوائية قرابة الساعة 22,00 الاثنين في باحة المركز. وأوضحت النيابة أن عملية البحث عن الطفل بدأت عندما عثر على دراجته الهوائية من دون أي أثر له. وأسفرت عن العثور على جثته في حفرة في مركز استقبال اللاجئين بعد ظهر الأربعاء.
ووفق المعلومات فإن الطفل توفي خنقاً بعد تعرّضه لضربات عدة على رأسه.
ويجهش محمود بالبكاء قبل أن يؤكد أن “دم ابني لن يذهب هدراً”، ويسأل “ابني دفع ثمن فاتورة من؟ ولأجل من؟ أعطيتهم طفلاً يسير على رجليه فأعادوه لي بنعش. ابني طفل بريء لا ذنب له إلا أنه كان فرحاً في بلجيكا وبالتقدّم الذي يُحرزه في المدرسة كما أبلغني”.
سافر لتأمين مستقبله
ويستحضر محمود كيف وافق على سفر ابنه برفقة طليقته إلى بلجيكا منذ أقل من عام من أجل حصوله على الإقامة ليعود بعدها إلى حضنه في لبنان. ويشير إلى “أن طليقته (افترقا عندما كان دانيال في الثالثة من عمره) اقترحت عليه منذ أربع سنوات السفر عند أشقائها في بلجيكا برفقة دانيال وشقيقتها وابنتها لتأمين حياة كريمة له كي يعيش بشكل طبيعي كسائر الأطفال، وذلك عن طريق قوارب في البحر.” ويتابع قائلاً: “إلا أنني رفضت ذلك كلياً، بسبب ما كنّا نسمعه ونشاهده عن تلك القوارب التي يبتلعها البحر، لكنها عادت وطرحت علي الفكرة منذ قرابة العام، ووافقت بعدما أبلغتني أنها ستسافر بطريقة شرعية بعدما حصلت على طلب لجوء وبأن دانيال سيعود إلى لبنان بعد حصوله على الإقامة التي ستضمن مستقبله”.
ويصل جثمان الطفل دانيال إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت مساء الاثنين ليوارى الثرى الثلاثاء في بيروت.
ويلفت محمود إلى “أنه سيتحدّث عن الموضوع في الإعلام بعد دفن ابنه لتبيان حقيقة ما حصل مع دانيال في بلجيكا”.