الاكثر قراءة

كيف يكون الطلاق مرادفاً لحب الذات؟

تخيّلوا أن تصحوا منفردين في سريرٍ ضمن غرفةٍ لا يشارككم فيها أحد، تنظرون إلى جانبكم، فتكتشفون أن ليس عليكم تمثيل الحبِّ، ولا تصنّع الرغبة مع شريكٍ لم يعد يسكن قلبكم وعقلكم رغم المحاولات.

في جعبتكم أحلام كثيرة ومشاريع لا تحصى وكلها تبدأ وتنتهي بـ”أنا أريد”، تركيزكم مشخّص إليكم أنتم، لا ذنوب تلاحقكم، لا حاجة للكذب والمداراة ولا الغرق في مستنقع الواجب.

تجلسون مع أولادكم بقلبكم وروحكم، فذهنكم بات صافياً والحبّ الذي في داخلكم، تحرّر وتجرّأ على الظهور.

هي حياة جديدة منفصلة عن الآخر ورغباته، غير معنية بما يفكّر عنكم، حياة تمسكون بريشتها بمفردكم، يسميّها المجتمع “الطلاق”.

هل تتجرّؤون على البدء من جديد؟

هل الطلاق هو الجحيم؟

يُعرّف الطلاق بانفصال الشريكين عن بعضهما انفصالاً كليّاً. وضع اجتماعي يلفّه الأسف من قبل المقرّبين بسبب فشل العلاقة، فيوصف بالمكروه أو بأنه ” أبغض الحلال “.

حلّ يشعر الشريكان أو أحدهما على الأقل، أنه سينقذهم من عزلتهم داخل العلاقة الزوجيّة المنتهية الصلاحية منذ فترة، لكن أحداً لا يجرؤ على الاعتراف بذلك، فثقل الذنب يلاحق من يتخذون القرار ومعه الخوف من المجهول الذي سيكون عليهم مواجهته، بعد أن ربطوا سعادتهم ومستقبلهم بشخص آخر.

إلى جانب الشعور بالذنب القاتل، ثمة أسئلة كثيرة عن صحّة الأولاد النفسيّة واستمراريّة الحياة وأحكام المجتمع، الكلّ ينادي بالتروّي وعدم الإقدام على تلك الخطوة، لكن ماذا لو كان الطلاق إيجابيّاً، لا بل جسر عبور ضروري إلى حبِّ الذات؟

عن الجانب المضيء للطلاق

“حُكمَ عليّ بالوحدةِ والجريمةِ.. مُطَلَّقَة

حيّك الناسُ لي من ألسنتهم مِشنَقَة

وصار لقبي مُطلَّقَة

ممنوعة أن أعشقَ

للاستعمال السريري فقط، مع شهادةِ خبرةٍ مُصدّقة

امرأةٌ مستعملةٌ، زورقٌ بأشرعةٍ مُمزَّقَة

يراني الرجال سريراً أو كوبَ رغبةٍ

يريدون منه ملعقة

كأنني محطة انتظارٍ، يزورها الجميعُ

لكن لا أحد فيها يبقى … “

كلمات للشاعر علي المولى غنّتها الفنّانة كارول سماحة، تصف خير وصفٍ، نظرة المجتمع العربي للمرأة المطلّقة والرجل المطلّق أيضاً، مع تفاوت النظرة والأحكام التي تتأثّر بوضع كلّ من الرجل والمرأة في العالم العربي، إلّا أن الشخص المطلّق لا يُنظر إليه بإيجابيّة، بل يُنظر إليه على أنه ناقصٌ وكأنه اقترف جريمة، أو لم يستحقّ نعمة الزواج والعائلة، فيُحكم عليه ويتمّ تجنّب الدخول معه في علاقة، فيدور ببالهم سؤال ” ما هي علّته أو علّتها يا ترى؟ “.

أن تحبوا ذاتكم يعني أن تبدؤوا بوضع ذاتكم في المقام الأول، في القرارات والأفكار والمشاعر، أمرٌ قد لا يكون متوفّراً في علاقة غير صحيّة مع الشريك، حيث الخلافات المستمرّة، والشحن بالذنب، والتعلق المَرَضَيّ وغيرها من المخاوف التي ترهق الجسد والنفس، إضافةً إلى الأعباء والمسؤوليات التي قد تجعلكم تنسون نفسكم ورغباتكم الشخصيّة، فتذوب، وتبدأ سعادتكم بالانحسار شيئاً فشيئاً، حتى تتحوّل وهماً أو حلماً بعيداً، مؤجّلاً إلى ما بعد تخرّج الأولاد، أو تحقيقهم لأهدافهم.

أن تتجرّؤوا على اتخاذ قرار الطلاق، يعني أنكم تريدون استعادة علاقتكم الأولى بذاتكم، علاقة قد يكون خيّم عليها الغبار ولكنها بالطبع مؤهّلة للاستثمار، وهذه المرّة بأسسٍ أكثر صلابة، فالدروس اليوم أكبر وأوّلها ” لم أعد أريد أن أكذب على ذاتي “.

فأن تكون أو تكوني في حال من الطلاق الروحي مع الشريك وأن تبقي معه، أمرٌ لا شكّ، موجع للطرفين، وله آثار سلبيّة جسيمة، إن كان على الصحّة النفسيّة والجسديّة والمهنيّة والاجتماعيّة.

حان الوقت لإخراج الطلاق من سجن الاتهامات والأحكام الظالمة والنظر إليه بعين الإيجابيّة والرحمة، حان الوقت لإعادة تعريف معنى أن تنهوا علاقة، أن تقولوا “لا” حيث يجب، أن تتعلّموا أنكم أنتم وحدكم مسؤولون عن حياتكم وسعادتكم وأن تسألوا نفسكم : أين ظلمت نفسي ؟ كيف أحافظ على الـ” أنا ” في العلاقة القادمة ؟ كيف أبدأ في إنجاح علاقتي الأولى بذاتي؟ لأن ذلك النجاح يؤدّي حتماً إلى اختيارات أفضل، ونجاحات أكثر، في العلاقات كلها.

العائلة والطلاق

الطلاق يكون أصعب في حال وجود أولاد، كما يعبّر معظم الأشخاص، رغم أن العديد من الدراسات تحدّثت عن الآثار التي يخلّفها طلاق الشريكين على صحّة الأولاد النفسيّة والجسديّة أحياناً، إذ أن الانفصال يخلق لديهم ضياعاً في هوية الأهل لديهم، وشعوراً بالذنب، فيعتقدون أنهم سبب طلاق أهلهم، لأنهم لا يملكون المعلومات الكافية لفهم الظروف الحقيقيّة.

يؤثّر الطلاق أيضاً على صورة الشريك المستقبلي الذي سيختاره الشخص فيما بعد، ولكن الأمر هنا يتوقّف أيضاً على سلوك الأهل وكيفيّة إيصال صورة الشريك الآخر للطفل. بالطبع قرار الطلاق ليس سهلاً، لكن الواقع أن وعي الأهل قد يخفّف من وطأته، أو حتى أنه قد يحوّله إلى خطوة إيجابيّة في حياتهم.

هناك العديد من الاعتقادات الخاطئة التي تلفّ مسألة الطلاق، أبرزها الاعتقاد القائل بضرورة تجميل الأمر، أو إخفائه عن الأولاد، فيما تشير كل المدارس النفسيّة إلى إلزاميّة الوضوح والصراحة مع الطفل مهما كان الأمر مزعجاً، مع اعتماد أسلوب يحترم مستوى الطفل العقلي والنفسي بالطبع، لكن إخفاء موضوعٍ كانفصال الأب والأم، دون إخبار الولد ودون تطمينه أنه لن ينقصه ذرّة حبّ أو عاطفة من قبلهما، سوف يُدخل الولد في حالٍ من الخوف وعدم الاستقرار، لأنه يشعر بأي تغيّر يحيط به، فكيف إذا كان التغيّر جذرياً؟ اعتقاد آخر بأن العيش في محيطين مختلفين قد يؤذي الطفل.

تشير الدراسات الحديثة، إلى أن نموّ الطفل النفسي الصحّي، يعتمد بشكل أساسي، على وضع الأهل النفسي، وعلى طبيعة البيئة التي ينمو فيها. أن ينمو الطفل مع أبٍ وأمٍّ منفصلين لكن سعيدين، أفضل من أن يعيش معهما تحت سقف واحد تملؤه المشاكل والمشاحنات وقلّة الحبّ، فالشريكان اللذان يختاران سعادتهما الشخصيّة كأولويّة، يعلّمان أولادهما ذلك، لأن الطفل يتعلّم بالمثل وليس بالنظريات.

إذاً ليس الطلاق جحيماً بالنسبة للأولاد كما هو شائع، إن علم الأهل كيف يتعاملون مع أولادهم لناحية الصدق والحفاظ على صورة صحيّة للشريك الآخر في نظر الطفل، وعدم اتخاذه سلاحاً بوجه الآخر، فهو بحاجة للحبّ من الطرفين.

المصدر: رصيف ٢٢

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى