“أكلة الملوك و سيدة المائدة”.. الفسنجون طبق يسحر أهالي كربلاء
الفسنجون من الأطباق التي تتربع على المائدة في مدن عراقية محدودة جدا -خاصة مدينتي كربلاء والنجف- حتى أنك لا تجده في غير هاتين المدينتين في العراق، حيث العادات والتقاليد والموروث الشعبي والديني المتشابهة.
وتمتاز نساء كربلاء والنجف بإعداد هذا الطبق الذي يقدم للضيوف القادمين من خارج المدينتين عادة، كما يكون حاضرا أيضا في المناسبات العائلية الخاصة وموائد شهر رمضان المبارك.
ويمتاز طبق الفسنجون بغلاء مكوناته، وارتفاع سعراته الحرارية، ومذاقة المميز، حيث إنه خليط بين الحامض والحلو الخفيف، أو كما يعرف بـ”الحامض حلو”.
مكونات الطبق
الفسنجون من الأطباق الشهيرة والمطلوبة جدا لدى العائلة في كربلاء، يتميز بالمذاق الحامض والحلو الخفيف والمرق الكثيف ذي اللون الرمادي المائل للسواد، ويطبخ بلحم الديك أو الدجاج أو البط، لكن الديك هو أصل الطبق، كما يقول حسين ماهيجه أحد أشهر طباخي محافظة كربلاء.
ويضيف حسين للجزيرة نت أن المكونات الأخرى هي حب وعصير الرمان، ومبشور الجوز الذي يجب أن يصل لدرجة من البرش حتى القوام الهلامي، والخل، ويضاف إليه الراشي (طحينية السمسم) حتى يعطي المذاق المميز للطبق، إضافة إلى دبس الرمان.
ويقول ماهيجه “يوضع الفستق للزينة، ويجب أن تكون المكونات بجودة عالية وغير مغشوشة لذا نقوم بجلبها من منشئها الأصلي، وغالبا من إيران، لأجل ذلك تعد من أغلى الأكلات بسبب غلاء مكوناتها، كما تقدم مع الأرز المطبوخ مع الباقلاء (تمن الباقلاء- أرز وفول) أو الأرز الأبيض، ويضاف إليه السمن الحيواني (دهن حر)، لذا فهو طبق ذو سعرات حرارية مرتفعة”.
تاريخ الفسنجون
ويرجع تاريخ طبق الفسنجون للمطبخ الهندي، بعكس الاعتقاد السائد بأنه من المطبخ الفارسي أو التركي، جاء إلى كربلاء بسبب دخول عائلات كثيرة للمدينة إبان الاحتلال البريطاني للعراق وامتزاج الثقافات في المدينة.
ويوجد خليط مختلف من القوميات والثقافات -منها الهندية والتركية والفارسية والعربية- ليكون هذا الطبق ثقافة مجتمع وعلامة بارزة على موائدها، ومن أقدم الأكلات في المدينة الدينية التي لا يستغنى عنها.
ويؤكد الباحث في الفلكلور الكربلائي صاحب محمد جواد أن الفسنجون هو أكلة هندية وليست إيرانية كما يعتقد البعض، ودخلت إلى كربلاء في بداية القرن الماضي، لكن تم التعديل على بعض مكوناتها، بحيث أصبحت سيدة المائدة في كربلاء، خاصة خلال المناسبات الخاصة وشهر رمضان.
وتوجد هذه الأكلة كما يقول جواد في كربلاء والنجف ومدينة الكاظمية في العاصمة بغداد، حيث التشابه في الموروث الديني والثقافي لتلك المدن، واليوم نرى أن العائلات الكربلائية الأصلية لا تزال متمسكة بهذا الطبق الذي قد لا يعرفه سكان المدن العراقية الأخرى.
ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن المطاعم في كربلاء بدأت تضع هذا الطبق ضمن قوائم الطعام لجذب الزبائن، خاصة القادمين للمدينة خلال المناسبات الدينية.
مطاعم تقدمه في وجباتها
وينحصر الطلب على هذا الطبق -كما يقول طه النصراوي صاحب أشهر مطاعم مدينة كربلاء ويقدمه في مطعمه الخاص- بين العائلات الكربلائية وزوار المدينة من المدن الدينية الأخرى في العراق، وإيران والهند.
ويضيف أن الطلب بدأ يزداد من قبل العائلات عن طريق التوصيل للمنازل، خاصة أيام الجمع من كل أسبوع وفي المناسبات وأيام شهر رمضان المبارك، حيث إن النساء الصغيرات في السن لا يجدن طهي هذا الطبق بمكوناته التي تحتاج إلى حرفيه حتى لا يتغير المذاق.
يذكر أن هذا الطبق يسمى عند أهل العراق “أكلة الملوك”، وبحسب مصادر عدة فإن مائدة شاه إيران محمد رضا بهلوي كانت تحتوي على “الفسنجون”، وكان يطلبه باستمرار لكن بلحم الطاووس، وهذا ما يشير إلى أن شعار مملكته احتوى على رسم هذا الطائر.