بوتين يلزم بشار إخراج 500 ضابط متهمين واعتماد 720 ضابطاً جديداً تدربوا في روسيا
ما تردد سابقاً في لبنان عن ان ماهر حافظ الأسد تسلم ملف لبنان، كما كان شقيقه بشار في عهد والده، يواجه عقبة رئيسة من جانب روسيا التي باتت هي صاحبة القرارات الحاسمة في سورية، بعد ان استتبع رئيسها فلاديمير بوتين بشار الاسد استتباعاً كاملاً، خصوصاً بعد ان أصبح بقاء بشار او عزله، في يد مجرم الحرب الروسي.
لماذا يعترض بوتين على قائد الفرقة الرابعة، أشرس وأكثر فرق سورية التي أنشأها والده في بلاد الأمويين.. الصبي الثالث لمؤسس الأسرة الأسدية ماهر الأسد؟
للإجابة على هذا السؤال.. من المهم الاشارة الى ان فلاديمير بوتين بات بحاجة الى حل شامل في سورية.. شرط أن يكون حلاً روسياً بالدرجة الأولى, مع توزيع أنصبة مختلفة على مروحة من القوى المنخرطة في الصراع الذي نقلته أساليب بشار الهمجية (وبمساعدة مباشرة من بوتين نفسه) من حالة مجابهة انتفاضة شعبية تطالب بالحرية والكرامة الى صراع اقليمي ودولي يمتد من امريكا الى الصين ومن إسرائيل إلى السعودية وقطر.. ومن تركيا إلى إيران ومعظمها دول ساهمت مع بشار نفسه بإغراق سورية كلها بجماعات الظلام والتكفير، فضلاً عن الدمار الشامل الذي يتحمل بشار دائماً مسؤولية البدء به.
الحل؟
عندما استدعى بوتين بشار الى موسكو، وحيداً كالعادة أبلغه مجموعة قرارات اتخذها حاكم الكرملين، وهي قرارات سياسية – عسكرية – أمنية، اذا تم تطبيقها سيضمن بوتين لبشار البقاء حتى آخر ولايته الحالية التي جددها خلال الثورة الشعبية ضده، وتنتهي في تموز/ يوليو 2021.. هذه الإجراءات – القرارات هي:
1-كتابة دستور جديد لسورية يتضمن تغييراً جذرياً في بنية السلطات بدءاً من السلطة التنفيذية، حيث تنتقل من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة، ويظل رئيس الحكومة سنياً بصلاحيات حقيقية كما هو في العراق ولبنان وبريطانيا والهند والباكستان وغيرها الكثير من بلدان العالم.. ويكون رئيس الجمهورية في سورية علوياً (او ارثوذكسياً او درزياً واذا اقتضى الأمر المداورة).
2-تشكيل حكومة ائتلافية يكون فيها لبشار الاسد نصف الأعضاء، ويكون للمعارضات المختلفة النصف الآخر، بما يضمن في المرحلة الأولى صدور قرارات يوافق عليها بشار، خصوصاً ان ما يسمى بمنصات القاهرة وموسكو هي أحد أشكال الدعم المصري والروسي سياسياً لبشار.
3-في المؤسسات الأمنية:
أ-نزع هيئة الأركان في الجيش الحالي من جماعة بشار وتسليمها لضباط مستقلين فعلاً ممن لم يشاركوا في جرائم الحرب التي أمر بها بشار ضد السوريين ونفذها ضباطه بهمجية كاملة.
ب-نزع وزارة الدفاع من ضباط بشار المجرمين وتسليمها الى سياسي محترف كما هو الحال في لبنان وفرنسا وبريطانيا..
ج-اعادة المؤسسات الأمنية في سورية الى طبيعتها الأصلية كما هي في بلاد العالم المتحضر مع تطبيق القانون عليها.. وضبطها ضمن صلاحياتها التي أعطيت لها عندما أنشئت فيعود جهاز أمن الاستخبارات الجوية الذي أنشأه حافظ الأسد لضبط سلاح الطيران الحربي الى طبيعته المحددة بعد أن جعله أداة في يده ثم توسع ليصبح واحداً من أشرس الاستخبارات التي تتدخل في حياة السوريين في كل أنحاء سورية، وبات فيها منتشراً في المطارات المدنية والعسكرية طبعاً وعند الحدود البرية وعند موانئ سورية البحرية، وفي كل المدن السورية (واللبنانية عندما كانت عائلة الأسد محتلة للبنان).
د-إعادة الاستخبارات العسكرية كرقيبة ومتابعة للجيش السوري في ثكناته فقط وفي مواقعه العسكرية ولا علاقة لها بالمدنيين او بالحياة السياسية والحزبية في سورية ومتابعة نشاطات المثقفين والفنانين ومحاسبتهم او اعتقالهم او قتلهم كما كان يحصل في لبنان الذي حكمته هذه الاستخبارات مباشرة من خلال محمد غانم، غازي كنعان، ورستم غزالي، وضباطهم في كل لبنان من جامع جامع الى جهاد صافتلي الى محمد خلوف ومحمد الشعار وتوفيق حيدر ومحسن سلمان وآخرين فقتلوا وسرقوا وكونوا ثروات في سورية وفي لبنان خصوصاً.
هـ – اتباع جهاز الأمن السياسي الى وزارة الداخلية التي يتمتع وزيرها بصلاحيات حقيقية بعد ان تغول هذا الجهاز في طول سورية وعرضها أمنياً وبات له فصيلة في كل مرفق في البلاد تراقب وتعتقل وتحاسب وتقتل وفق أمزجة ضباطها، وتسرق، كما بقية ضباط أجهزة الاسد في الاستخبارات العسكرية والجوية وأمن الدولة..
يعود الأمن السياسي الى دوره كجهاز تحرٍ عن الجرائم المدنية وملاحقة تجار المخدرات واللصوص ولا علاقة له بالاعلام او بالاحزاب مع الغاء صفة السياسي عنه.
و- إعادة الاعتبار لجهاز أمن الدولة لأنه المعني بالامن الداخلي في البلاد ويلتزم القوانين التي تنظم عمل وزارة الداخلية.
تنقية جيش بشار من المجرمين
أبرز النقاط التي فرضها بوتين على بشار هي تنقية الجيش السوري من الضباط الذين ارتكبوا جرائم في لبنان وسورية خلال الأربعين سنة الفائتة. بوتين سلم بشار لائحة من 500 ضابط يجب إخراجهم من المؤسسة العسكرية، ولم يتحدث معه عن مصير أي منهم، سواء في المحاسبة والاعتقال أو السؤال عن أموالهم وثرواتهم والجرائم التي ارتكبوها، لأن هذا الأمر الأخير سيعني محاكمة صاحب القرار في سورية بشار (وحافظ) وماهر الأسد.
ويساعد القدر بوتين على تنفيذ هذا الأمر.. فاللواء جميل حسن المطلوب للمحاكمة في ألمانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب (مع اللواء علي المملوك) مريض وفي حالة حرجة، وهناك لائحة ضباط قتلوا جميعاً وكلهم مطلوبون بالتهم نفسها الموجهة الى 500 ضابط ليتم ابعادهم.
فقد قتل غازي كنعان ورستم غزالي وجامع جامع وآصف شوكت وآخرون.. ويجلس سميح القشعمي في منزله وهو ضابط الاتصالات المسؤول في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأبعد قاتل رستم غزالي رفيق شحادة الى منزله، وأحيل اللواء محمد المحلا (رئيس الاستخبارات العسكرية) على التقاعد قبل سنتين من انتهاء مدة خدمته، وجاء مكانه العميد كفاح ملحم وهو من خارج لائحة الـ 500 ضابط وكان زميلاً لباسل الأسد (قتل في ك2/ يناير 1994).
وأبعد قائد الفرقة الثالثة اللواء عدنان اسماعيل غريم ماهر الأسد وابن بلدة قرداحة.
وكان ابن خال بشار حافظ مخلوف كرئيس لفرع الأمن الداخلي الذي كان يتولاه اللواء محمد ناصيف أبعد قبل مدة من منصبه كما تم إبعاد اللواء عبدالفتاح قدسية الذي كان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية قبل محمد المحلا..
الاستخبارات الروسية ترتاح للتعامل مع رئيس جهاز أمن الدولة محمد ديب زينون (سني) وتعمل على تعزيز جهازه.
الفيلق الخامس – اقتحام
غير أن الأهم في الممارسات الروسية العسكرية المباشرة على الأرض السورية هو تشكيل الفيلق الخامس – اقتحام (كنا في ((الشراع)) الجهة الاعلامية الأولى في العالم التي كتبت وبالتفصيل عن هذا الفيلق حين تأسيسه عام 2016).
يعتبر الروس ان هذا الفيلق هو جيش سورية التي يعيدون بناء سلطتها، وهم يسيطرون على هذا الجيش منذ لحظة تأسيسه ويكلفونه بمهمات منافسة لبقية فرق بشار حافظ الاسد وتحديداً الفرقة الرابعة التي يقودها شقيقه ماهر. وشهدت مدن وأرياف سورية اشتباكات عنيفة بين الفيلق الروسي وفرقة ماهر، خصوصاً بعد أن توسعت مهمات هذه الفرقة من المحافظة على أمن القصر الجمهوري وساكنه في دمشق وحولها، الى كل المحافظات السورية وباتت تمتلك أجهزة أمنية خاصة بها، وأسلحة هي الأحدث في سورية، ولا ينقصها سوى الطيران الحربي.
ويلزم الروس بشار ومنذ العام 2016 وبعد عدة أشهر من بدء العدوان الروسي على الشعب السوري (30 – 9 -2015) بإرسال ضباط سوريين صغار (ملازمون – ملازمون أول، نقباء – رواد – مقدمون) الى المعاهد العسكرية في روسيا للتدريب، لمدة ستة أشهر فينجز كل ضابط دورته العسكرية وفق رتبته فيعود منهم قادة كتائب، وأركان حرب ويعود المقدم منهم برتبة عقيد، يتسلم لواء من 3000 عسكري.
وبلغت أعداد هؤلاء حتى الآن نحو 720 ضابطاً هم النواة التي ستتسلم بناء الجيش السوري الجديد.
واختارت الاستخبارات العسكرية الروسية هؤلاء الضباط بالاسماء.. وأغلبهم بطبيعة الحال من السنة، وأجرت لهم كلهم اختبارات معنوية لتتأكد من قوة شخصياتهم، خصوصاً من السنة، لأن روسيا تعتبر أن نظام الأسد الأب والابن كان يحرص على اختيار الضباط السنة من ضعفاء الشخصية، بما يجعلهم قابلين للخضوع لمن هم أقل منهم رتبة من الضباط او حتى صف الضباط العلويين. ويتقاضى ضابط الفيلق الخامس رواتب تبدأ بـ 350 دولاراً شهرياً ..
قيادة هذه الفيلق وأركانه يتبعون حتى الآن الضباط الروس ومقرهم في حميميم، وينتشرون حتى الآن في مواقع الساحل السوري وعلى الحدود مع تركيا بعد ان ظهر تناغم كبير بين روسيا وتركيا.
إخلاء سورية من الميليشيات
كلما تقدم دور الفيلق الخامس مع تعزيزه عدداً وعتاداً وأسلحة وأوامر وأمناً روسياً داخله وحوله.. كلما تمادى الروس في الضغط في اتجاهين:
الاتجاه الأول هو إخلاء الساحة السورية من كل القوى المسلحة غير النظامية سواء كانت داخلية سورية او من دول أخرى، وخصوصاً الميليشيات العراقية والأفغانية الباكانية (من باكستان).
مع الاشارة الى ان أعداداً كبيرة من المقاتلين في سورية تحت اسم حزب الله هم سوريون وعرب آخرون. كما هو حال مقاتلي الحزب السوري القومي (بعضهم لبنانيون) فضلاً عن قوات الحرس الوطني وقوات البعث (عدد قليل منهم من اللبنانيين، وصقور البادية).
وفي حلب يقود بقايا عائلة بري لواء الباقر الشيعي ورئيسهم الآن هو نائب في مجلس الشعب التابع لآل الأسد اسمه حسين الحسن.
وفي اتجاه حسم روسي لهذا الاتجاه أمر الروس بشار ان يلزم هؤلاء بالالتحاق بالفيلق الخامس – اقتحام حيث سيخضع كل فرد في هذه الميليشيات الى اختبار أمني – نفسي – روسي قبل قبوله في هذا الفيلق او اخراجه من أي عمل عسكري وإلزامه بالبحث عن وظيفة أخرى.
الاتجاه الثاني: هو الزام ماهر الاسد وفرقته الرابعة في التحرك ضمن طبيعة الفرقة العسكرية المحترمة داخل ثكناتها، وان لا يكون لها أي مهمة أخرى، خصوصاً مع استعداد روسي لترتيبات سياسية جذرية في الصراع العربي – الصهيوني، لإنهاء اشكاليته على الجبهة – السورية مع فلسطين المحتلة.
بوتين تعهد لنتنياهو بالمحافظة على جبهة الجولان الصامتة صمت القبور منذ العام 1974 (45 سنة حتى الآن).. بوتين سمح لنتنياهو أن يضرب في أي مكان في سورية، وساعة يشاء شرط ان يبتعد عن أي موقع روسي او تابع لبشار.
اعادة فرقة ماهر الى ثكناتها كما بقية فرق جيش بشار، مع وضع طبيعة جديدة لمهمات الجيش المقبل وفي أساسه الفيلق الخامس، سيلغي أي دور سياسي لماهر وأي ضابط سوري آخر من جماعة الأسد.
متى تعود فرقة ماهر إلى ثكناتها.. هذا ما سنكتب عنه في الحلقة المقبلة ان شاء الله.