مشروع “نَفَس” بلبنان.. علاج الذات بالتنفس والتأمل والطاقة الإيجابية
"بدأت رحلتي لاكتشاف ألغاز الدماغ وأسرار القلب في متجر ألعاب سحرية، لكن الحقيقة أننا لسنا بحاجة إلى متجر سحر لاكتشافها. كل ما نحتاجه هو التعمّق في أفكارنا وقلوبنا. يمكن للقلب والدماغ حين يعملان معا، اجتراح المعجزات وفعل المستحيل والقيام بأعظم سحر على الإطلاق".
هكذا يختتم الدكتور جيمس ر. دوتي الطبيب جراح الأعصاب كتابه “في متجر السحر”. وهو إذ يتحدث عن السحر وحيله فهو يتحدّث عن تمارين التأمل التي يمارسها كثير من الناس إما بفطرة تامة وإما عن طريق تعلم أسرارها.
كل شيء يبدأ من النَفَس
في طريق بحثي عن التأمل وأسرار طاقة دماغنا منذ سنوات صادفت نوال فليحان، السيدة الخمسينية التي تضجّ بالحياة وتعالج بالطاقة منذ 19 عاما، وهي “رايكي ماستر” تختص بشفاء الناس الذين لديهم مشاكل متعلقة بطفولتهم، ومعالجة الصدمة.
وهي معلمة تأمل منذ 12 عاما بدأت في منزلها، ثم انتقلت منذ عام ونصف العام إلى المركز الطبّي في الجامعة الأميركية في بيروت لمساعدة المرضى. وهي أيضا مدربة تقنيات التنفس، وتعلّم يوغا الضحك للشركات.
نجحت نوال مؤخرا وبمساعدة عدد من طلابها أو زملائها في إنشاء فكرة مشروع أسموه “نَفَس” لزيادة التوعية المجتمعية في القرى حول علم الطاقة والتأمل.
تشير نوال إلى أن أي مجال يتصل بالطاقة من الشفاء إلى الرايكي إلى التأمل والتنويم المغناطيسي وغيرها لا علاقة لها بالمعتقد الديني.
وتواصل “لكنها تجعلنا نقدّر ديننا وأدعيتنا على اختلافها وتقرّبنا من الله ومن الكون. ونستطيع توزيع الحب غير المشروط وتقبل الآخر كما هو. ونتعمّق أكثر بالدين. فأنا بدأت بالصلاة ثم التأمل ثم بالرايكي والشفاء”.
وعن “نَفَس” تقول نوال “بدأت الفكرة بعد تجربة إعطاء الطاقة ضمن حدث مخصص للروحانيات في “بيت بيروت” بوجود حوالي 100 شخص، طلبوا أن أقوم بالشفاء والتأمل. ففكرت لماذا لا نذهب إلى القرى لنصل إلى قلوب الناس ونجعلهم قادرين على التواصل مع أنفسهم، ويحبون أنفسهم ويسامحونها حتى ينطلقوا إلى حب الآخرين ومسامحتهم، إذ لا نستطيع تغيير شيء إن لم نغيّر أنفسنا”.
وتحدثت نوال مع فريق الرايكي وارتأوا تسميته “نفَس، لأن كل شيء يبدأ من النفَس.. فالحياة تبدأ بنفَس وتنتهي بنفَس”.
تعليم تقنيات التنفس لتنظيف الجسم
وفي القرى يقوم أساتذة اليوغا بالفريق “نفَس” بتعليم المواطنين تقنيات التنفس لتنظيف الجسم من الطاقة السلبية والسموم، إضافة لعدة حركات يوغا.
ثم يعلمونهم التأمل وكيفية ممارسته ليستطيعوا ممارسته بشكل يومي لمدة عشر دقائق في منازلهم.
لاحظ فريق الرايكي ظمأ الناس لهذا النوع من المعرفة. كما لاحظوا أثناء العلاج باللمس (رايكي) أنه بمجرد وضع الأيدي على المواطنين ينطلقون في البكاء، ويتذكرون صدمات مرت بحياتهم وطفولتهم ويتحمسون لرواية قصصهم.
زار الفريق حتى الآن مناطق لبنانية عديدة، ومنها بعقلين وعاليه وصيدا في معمل الصابون ثم قلعة راشيا الوادي وبزبدين وبتلون وحمانا وفالوغا وخربة المتن وحاصبيا.
و”نفَس” نشاط مجاني. يدفع أفراد الفريق ثمن نقليات الباص الذي يقلهم إلى القرية المقصودة. ولا يتقاضون شيئا من الناس.
المشاركون في نشاط “نفَس”
شاركت سوزان صفا (42 عاما أم لثلاثة أطفال، وطالبة دكتوراه فلسفة) بمشروع “نفَس” لزيادة الإيجابية في حياتها وتقول إن الأثر ليس فقط أثناء الحصة إنما يستمر لأيام عديدة من بعده.
وتشير ديما جبارة وهي معلمة يوغا ومختصة تغذية وممارسة رايكي، للتشابه بين كلمة نَفَس ونَفْس وأن لهما المعنى ذاته. وتعتبر مشروع “نفس” طريقة لمشاركة المجتمع تجربة الشفاء الجميلة. وتقول “ساعدنا في زيادة الوعي حول العلاج الذاتي والحب. وطرق الجلوس السليمة التي يمكن ممارستها في المنزل”.
خالد نحفاوي أستاذ يوغا درس في لبنان والهند ورايكي ماستر يقول إن “الإحساس الذي نلمسه رائع لأن الناس متعطشون لهذا النوع من النشاطات والرياضات الروحية، لأنهم يعلمون أنها السبيل الوحيد للسعادة الحقيقية وللسلام.. شعور رائع أن نتشارك الحب غير المشروط مع أناس لا نعرفهم. والبلد بحاجة لهذا النوع من النشاطات بعد كل الضغوط التي نعيشها في حياتنا”.
هبة أبو دياب (32 عاما) صيدلانية ومديرة منتجات إقليمية في شركة أدوية تعتبر أن “نفس” مبادرة لطيفة. وتقول “هذه المجموعة مصدر إلهام وتذكير يومي بأنني لست وحيدة في هذا العالم. فكلنا واحد ودائما توجد طاقة جيدة تتبادلها الأرواح الجميلة لرفع وتيرة هذا العالم”.
تناقض في الرأي العلمي
تقول نوال إن العلاج بالطاقة ليس بديلا عن أي طب وإن بعض المعالجين النفسيين يلجؤون إليها للاسترخاء لأن كل شخص بحاجة أن يفضفض. “المختلف لدينا هو إعطاء الطاقة للراحة. نحن نكمل العلاج الكيميائي والعمليات ونتفاعل معهم لجعل الطاقة تسري في جسم المريض”.
يبدو مشروع “نَفَس” مليئا بالإيجابية. والمهم أنه خالٍ من أي تأثير سلبي جسديا ونفسيا. فالتأمل هو ركيزته الأساسية وفي حين يتبنّاه بعض العلماء والأطباء مثل دكتور جيميس دوتي الذي بدأنا المقال بكلامه الذي نقله عن تجربته الخاصة.
ويهاجم البعض الآخر التأمل وعلوم الطاقة مثل روبرت ل. بارك الذي يطلق على علوم الطاقة “ثقافة السخافة” في كتابه “الخرافة، الإيمان في عصر العلم”، معتبرا أن الهوّة الثقافية عميقة جدا بين العلم الطبي وما سماه بسلسلة الأدلة بالتفكير المتمني، ورغم اعترافه بأن “هذا الجانب يلجأ إلى الحس الأساسي للتفاؤل الذي يساندنا خلال الأوقات الصعبة”، غير أنه ينهي جملته “ولكنه أيضا يجعلنا عرضة للحمقى والمخادعين”.
مهما اختلفت الآراء حول الطاقة وتأثيرها في النفس البشرية، فمن المتفق عليه ألا آثار سلبية لها على الإطلاق، إنما قد تفيد في خلق عالم إيجابي، إذ لا يختلف أحد على أهمية عناصرها التي تغير -بالحب والسلام- حياة الناس.
المصدر : الجزيرة