هل تحسم السعودية الجدل المستمر حول إغلاق مكبرات الصوت الخارجية في المساجد؟
عاد الحديث عن مكبرات الصوت الخارجية في مساجد السعودية، إلى صدارة اهتمامات المدونين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي، يتقدمهم دعاة وكتاب ونخب ثقافية كثيرة بدا الانقسام بينها حادًّا وسط ترقب لتدخل رسمي ينهي هذا السجال السنوي.
ومع قرب شهر رمضان من كل عام، يعود الحديث عن مكبرات الصوت الخارجية للمساجد إلى الصدارة مع وجود فريق يطالب بعدم تشغيل تلك المكبرات إلا عند الأذان كي لا تسبب إزعاجًا للجيران، فيما يتمسك فريق آخر بتشغيلها خلال إقامة الصلوات بجانب قراءة القرآن وإلقاء المحاضرات والدروس الدينية.
وقبل شهر من حلول شهر رمضان المبارك، اشتعل الجدال حول القضية ذاتها، بعد أن طالب دعاة معروفون في البلاد بإغلاق مكبرات الصوت الخارجية مستندين لفتاوى دينية صادرة عن دعاة سعوديين راحلين تحظى آراؤهم الدينية باحترام وطاعة.
وقوبلت تلك الآراء بردود غاضبة من فريق آخر يرى في الدعوة لإغلاق مكبرات الصوت الخارجية للمساجد، تعديًا على خصوصية الشهر الفضيل التي ارتبطت بأذهانهم عبر سنين طويلة بأصوات المحاضرات والدروس الدينية وإقامة الصلوات في المساجد.
وكان الداعية السعودي سليمان الطريفي أحد طرفي الجدال الجديد، إذ أثارت تغريدة له في موقع ”تويتر“ ردودًا غاضبة واتهامات بربط إقامة الصلاة بالضوضاء، بعدما كتب ”أنا مع رفع الأذان والإقامة عبر مكبرات الصوت، وأطالب بقفلهما نهائيا عند الصلاة، والاقتصار على تشغيلهما داخل المسجد وقت الصلاة بصوت معتدل، ارحموا من في البيوت من المرضى والمصلين، ما هذه الضوضاء والتشويش، نهى النبي عن الجهر على بعض في القرآن، أين وزير الشؤون الإسلامية من هذا العبث؟“.
وفي الاتجاه ذاته، ظهر الداعية السعودي أحمد الغامدي على شاشة قناة ”روتانا خليجية“، ودعم الرأي القائل بقفل مكبرات الصوت الخارجية إلا عند الأذان، وقال إن ترك تلك المكبرات ”يشوه الدين“ على حد وصف المسؤول السابق في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي برامج تلفزيونية أخرى ومواقع إخبارية وصحف محلية، حضر الموضوع ذاته بقوة مع انضمام مزيد من السعوديين للمشاركة بآرائهم فيه، ودعم أحد طرفي النقاش، ليمثلوا مختلف شرائح المجتمع السعودي.
ويقول مدون سعودي يدعى ماجد الشاطري المطيری، في رد معارض لرأي الشيخ الطريفي، ”أصوات أئمة المساجد بقراءة القرآن الكريم تجلب الطمأنينة والارتياح النفسي ولم أسمع يومًا بأن هناك مريضًا أو كبير سن تضايق وانزعج من صوت قراءة القرآن الكريم من المسجد المجاور له إذا كان يزعجك ويسبب لك الضوضاء فلا تتكلم باسم الملايين من الشعب السعودي المسلم“.
ورد الطريفي على منتقده بالقول: ”كلامي هو نفس كلام العلامة العثيمين والشيخ الفوزان والدكتور سليمان الماجد وكل مقاطع الفيديو بفتاواهم موجودة بحسابي، ليس رأيي وحدي، لو لم يسبقني هؤلاء بهذا الكلام لما تكلمت“.
ورغم أن الدعوة لإغلاق مكبرات الصوت تحظى بتأييد واسع في السعودية، إلا أن معارضيها كثر أيضًا، ومتمسكون برأيهم، وبينهم كثير من أئمة وخطباء مساجد البلاد الذين لا يلتزمون بقرار سابق لوزارة الشؤون الإسلامية بإغلاق تلك المكبرات.
فقد أصدرت الوزارة في العام 2017 قرارًا يقضي بمنع تشغيل المكبرات الخارجية في المساجد وقصرها على الجوامع الكبيرة فقط، بعد خطوات تدريجية اتخذتها في السنوات الماضية وقضت بتخفيض درجة الصوت في تلك المكبرات قبل أن تقرر عدم تشغيلها نهائيًّا.
ورغم جولات مفتشي الوزارة للتأكد من تطبيق قرار إغلاق المكبرات الخارجية، تصل المخالفة للقرار في شهر رمضان، أوجها، حيث تصدح مكبرات تلك المساجد المتقاربة في الأحياء بتلاوة القرآن الكريم إضافة للمحاضرات والدروس الدينية التي تكثر في الشهر الفضيل، بحيث يسمعها كل سكان الحي المجاور للمسجد داخل بيوتهم.
ويقول المدون السعودي المعروف، منصور الرقيبة، في تعليقه على دعوات إغلاق مكبرات صوت المساجد ”سبحان الله فيه ناس حشرها شهر #رمضان وهو ما بعد جاء، الله يبلغنا إياه، تاركين كل الي يصير بالحياة و زعلانين ليش إمام المسجد يقرأ بمكبر الصوت. خلوه يقرأ، كم من أية وقرت في قلب عابر طريق، القرآن له شأنه ومعجزاته وتأثيره. اللهم لا تجعلني خصمًا لدينك“.
لكن المحامي السعودي البارز، عبدالرحمن اللاحم، توقع عقب الجدل الدائر حول الموضوع، وبعض الآراء فيه، أن تحسم وزارة الشؤون الإسلامية الجدل، وتفرض تطبيق القرار على كل المساجد.
وقال اللاحم في سلسلة تغريدات رد في إحداها على المدون الرقيبة ”فيه (قرار) صادر من وزارة الشؤون الإسلامية يمنع استخدام المكبرات إلا في الأذان والإقامة، وعليه لا يجوز قانونًا وصف من وقّع القرار (الذي هو وزير وعضو في مجلس الوزراء ويمثّل الحكومة) أنه يخاصم الدين!! الحكومة لاتخاصم الدين .هذا كلام خطير ودعوة صريحة للتمرد على قرارات الحكومة“.
وأضاف المحامي المعروف باهتمامه بالشأن العام ”أعتقد أن معالي الدكتور عبداللطيف آل الشيخ صارم وحازم، لا يهادن أحدًا و لا يقبل أن تكون الأيدي مرتعشة .الموضوع يتجاوز تنفيذ قرار، وإنما يتعلق بفرض قوة القانون المتعلق بهيبة الدولة، ومنع التمرد عليه، وهذا ما فعله معاليه من لحظة أن حظي بالثقة الملكية الكريمة“.
ويقول مؤيدو إبقاء مكبرات الصوت في المساجد تصدح في رمضان، إنها تضفي خصوصية على الشهر المخصص للعبادة وقراءة القرآن، فيما يرى المعارضون أن الأصوات التي تصدر من المساجد غير مفهومة وتتداخل مع مساجد مجاورة وتتسبب بإزعاجهم في أوقات الراحة التي يقضونها بعد يوم صيام طويل.
الحديث عن مكبرات صوت المساجد التي تعلن الأذان والإقامة وتلاوة القرآن وكلمات الدعوة تكرر، إلاّ أننا لم نرى ممن كرروا هذا الحديث تطرقاً أو انزعاجاً من الحفلات والأمسيات الغنائية التي بدأت تنتشر في بعض المحافل والمطاعم والمقاهي ..
عارٌ عليهم والله حين تكلموا وعارٌ علينا حسن نسكت !!
وفي السعودية نحو 90 ألف مسجد تنتشر بين الأحياء، ولا يرتادها طوال العام إلا قاصدو الصلوات المفروضة الخمس، على عكس المساجد الكبيرة التي يبلغ عددها نحو 17 ألف جامع وتقام فيها صلاة الجمعة والمحاضرات والدروس الدينية.
المصدر : eremnews