قصة شاب أسس موقعا إلكترونيا تتجاوز قيمته 3 مليارات دولار
يتحدث سبنسر راسكوف، الرئيس التنفيذي لموقع “زيلو” للتسويق العقاري بالولايات المتحدة الأمريكية، لموقع بي بي سي عن قصة نجاحه.
طالما ألهمت حفلات فرقة “رولينغ ستونز” الأمريكية أجيال المراهقين وشجعتهم على العزف على الغيتار، لكن سبنسر راسكوف، كان يراها حافزا لخوض غمار التجارة والأعمال.
كان سبنسر محظوظا في مرحلة المراهقة، إذ سُمح له بالدخول إلى كواليس المسرح لمتابعة تحضيرات الفرقة في حفلات عديدة في مطلع التسعينيات. لكنه يقول إنه لم يكن يحدق النظر إلى ميك جاغر وكيث ريتشاردز وغيرهما من أعضاء الفرقة من شدة الإعجاب، إنما كان يتابع الجهود الجماعية التي يبذلها العاملون حتى يبدأ الحفل في موعده.
ويقول سبنسر، الذي يبلغ من العمر الآن 43 عاما: “كنت أرى أن منظم الجولة الغنائية هو الرئيس التنفيذي، وثمرة جهوده هي نجاح الحفل ونجاح الفريق. وتأثرت بشدة بهذه التجربة، إذ كنت مبهورا بأساليب إدارة وتنظيم الحفلات الموسيقية”.
كان جوزيف، والد سبنسر، مدير أعمال فرقة “رولينغ ستونز” وغيرها من نجوم الغناء البارزين، مثل فرقة “يو تو”، ومغني الروك ديفيد بووي، والمؤلف والمغني بول سايمون، وكان ينظم لهم جولاتهم الغنائية، وكان يصطحب ابنه في بعض الحفلات.
ولكن عندما أراد سبنسر أن يؤسس مشروعه الخاص، نصحه أبوه بالابتعاد عن مجال الموسيقى وتقلباته.
واليوم يشغل سبنسر منصب الرئيس التنفيذي لشركة “زيلو” للتسويق العقاري، التي تبلغ قيمتها السوقية 3.9 مليار دولار.
وتحقق الشركة التي تتخذ من ولاية سياتل مقرا لها، إيرادات سنوية تتجاوز مليار دولار، وتقول الشركة، إن 195 مليون شخص من الولايات المتحدة الأمريكية يستخدمون الموقع شهريا سواء لعرض منازلهم للبيع أو الأيجار أو للبحث عن منازل للإيجار أو الشراء.
نشأ سبنسر في ولاية نيويورك ولوس أنجيليس، وحصل على بكالوريوس سياسة واقتصاد من جامعة هارفارد.
وتولى منصب مدير أحد المصارف الاستثمارية في وول ستريت لمدة عامين، وعندما بلغ 24 عاما، شارك في تأسيس أولى شركاته، وهي موقع “هوت واير دوت كوم” للسياحة في عام 1999.
وحققت الشركة نموا سريعا، ولكنه لم يدم طويلا بسبب تداعيات هجمات 11 من سبتمبر/ أيلول عام 2001 التي أثرت بشدة على أداء الشركة.
فبالإضافة إلى تراجع إيرادات الشركة إثر الركود السياحي الذي أعقب الهجمات الإرهابية، وُجهت عاصفة من الانتقادات لإدارة العلاقات العامة بالشركة، بعد أن كشف مكتب التحقيقات الفيدالي الأمريكي أن بعض خاطفي الطائرات التي استُخدمت في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول اشتروا تذاكرهم عبر الموقع.
وبالرغم من أن هذه التذاكر لم تكن على متن الطائرات التي استخدمت في التفجيرات في هذا اليوم المشؤوم، بل كانت لرحلات قبل أيام قليلة من الهجمات، إلا أن الصحف كالت للشركة انتقادات لاذعة.
ويقول سبنسر، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الشركة، وفقد أحد أصدقائه في الهجمات الإرهابية: “إن هذه الاتهامات التي وجهتها لنا الصحف، وإحجام الناس عن السفر بالطائرات بعد 11 سبتمبر/ أيلول، أرغما الشركة على تقليص النفقات إلى أقصى حد، ولم يكن هذا بالأمر الهين”.
وكنتيجة لهذه التدابير التقشفية، تعثرت الشركة واضطرت لتسريح بعض موظفيها.
وأدرك سبنسر وشركاؤه أن أسعار أسهم الشركة تهبط بشكل حاد منذ أن أُرغمت الشركة على تخفيض قيمتها السوقية لاجتذاب استثمارات جديدة.
وقرر الشركاء بيع الشركة لإحدى الشركات المنافسة “إكسبيديا” مقابل 666 مليون دولار في عام 2003، ولكن نصيب سبنسر من أرباح البيع كان ضئيلا للغاية.
وعمل سبنسر في شركة “إيكسبيديا” لمدة عام، بعدها قرر الانضمام إلى موظفين سابقين بالشركة دشنا موقعا لتسويق العقارات باسم “زيلو”.
وكان الهدف من الموقع الإعلان عن العقارات المعروضة للبيع أو الإيجار في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن سبنسر لا ينكر أنهم لم يعرفوا في البداية كيف سيجنوا أرباحا من وراء هذا الموقع.
ويقول سبنسر: “عندما دشنا الموقع لم يكن لدينا خطة عمل واضحة، كنا نريد فقط أن نجتذب الكثير من العملاء، ثم نضع نموذج العمل لاحقا.”
ولكي توسع الشركة قاعدة عملائها، كانت تتيح لأي شخص أو مؤسسة أو حتى سمسار يرغب في بيع أحد الوحدات السكنية أن يعلن عنها على الموقع مجانا. وتتيح الشركة أيضا للعملاء استخدام الموقع وتطبيق الهاتف الذي طورته الشركة فيما بعد مجانا عند البحث عن منزل لشرائه أو استئجاره.
ولكن كيف يحقق موقع “زيلو” للتسويق العقاري أرباحا؟ الإجابة ببساطة هي من خلال الإعلانات.
في البداية يدفع الوسطاء العقاريون مبالغ مالية للشركة مقابل إظهار العقارات التي يعرضونها للبيع في صدارة قائمة العقارات المدرجة في الموقع في أي منطقة محددة.
كما تحصل الشركة على أموال من شركات أخرى ضمن قطاع الإسكان، مثل شركات التصميم الداخلي أو متاجر بيع الدهانات وغيرها من مستلزمات تطوير المنازل نظير وضع إعلانات لهذه الشركات على الموقع.
وكلما زاد عدد مستخدمي الموقع، زادت أعداد الشركات المعلِنة على الموقع. ولكي تحافظ الشركة على قاعدة عملائها، تعمد إلى إدراج كل عقار في الولايات المتحدة على موقع الشركة، حتى لو لم تكن تلك العقارات معروضة للبيع أو الإيجار.
إذ تبحث الشركة عن معلومات عن كل عقار في الولايات المتحدة من واقع السجلات العامة، مثل القوائم الخاصة بقيم الضرائب العقارية المستحقة على الوحدات السكنية، وتعرض صورا للشوارع التي يقع فيها العقار بالاستعانة بتطبيق “غوغل ستريت فيو”.
وتقول شركة “زيلو”، إنها نشرت على موقعها معلومات عن 110 مليون وحدة سكنية في الولايات المتحدة- بما في ذلك الوحدات السكنية المعروضة للبيع أو الإيجار أو غير المدرجة في سوق العقارات- من إجمالي 137.4 مليون وحدة سكنية في الولايات المتحدة، وفقا لمكتب الإحصاء السكاني للولايات المتحدة.
ثم تُقدر الشركة القيمة السوقية لكل منزل تدرجه على موقعها، بناء على المعلومات التي يقدمها المستخدم.
يقول سول كلاين، المحرر بموقع “ريالتي تايمز” لأخبار العقارات إن القيم التقديرية التي تضعها شركة “زيلو” لكل عقار على موقعها، قد تسبب مشكلات لبعض الناس.
ويقول كلاين: “يعول الكثيرون على أداة التقييم العقاري التي يوفرها موقع “زيلو” كمصدر موثوق للمعلومات، ويفوتهم أن هذه الأسعار لا تعدو كونها قيمة تقديرية. وطالما أثارت هذه الأسعار خلافات بين الوسطاء العقاريين وأصحاب العقارات، الذين يزعمون أن القيم المعلنة على الموقع أدق من القيم التي قدرها لهم الوسطاء العقاريون.”
ويرى كلاين أن شركة “زيلو” تواجه منافسة شديدة في سوق العقارات، ويضيف: “هناك الكثير من الشركات التي تقدم نفس الخدمات في سوق العقارات، ولا أحد يعلم كيف ستصمد ‘زيلو’ في مواجهة هذا التنافس في السنوات الخمس أو العشر القادمة؟”.
ودشنت الشركة فرعا جديدا في كندا، ويشغل سبنسر منصب الرئيس التنفيذي للشركة منذ عام 2010، واستحوذت الشركة منذ ذلك الحين على 15 شركة منافسة أصغر منها. وفي عام 2011، طرحت الشركة أسهمها في بورصة نيويورك.
وأظهرت نتائج آخر تحليل للأداء المالي للشركة أن إيرادات الشركة في الربع الثالث من عام 2018 ارتفعت بواقع 22 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. إلا أن هذا النمو لا يزال أقل من توقعات السوق، وفقدت أسهم الشركة نصف قيمتها منذ الصيف الماضي، وسط مخاوف بتباطؤ سوق الإسكان بالولايات المتحدة.
ربما لم يمض سبنسر على خطى والده جوزيف راسكوف الذي فارق الحياة العام الماضي، في تنظيم الجولات الغنائية، ولكنه دائم التنقل مثل أبيه.
ويقول سبنسر: “لدينا ما يناهز 4.000 موظف في 12 مقرا في بلدان عدة، وكثيرا ما أسافر لزيارتهم لأنني أرى أنه من الضروري أن أقضي بعض الوقت مع الموظفين في المقار المختلفة. ويبدأ عادة يوم عملي من الساعة 6 صباحا حتى 11 مساء، أقضيه متنقلا بين أماكن مختلفة، ولا أطالع البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي إلا في السويعات المتبقية من اليوم.”
المصدر :BBC