صحة

هل يعالج الخل كثيرا من العلل والأمراض؟

يُحتفى بالخل منذ زمن بعيد نظراً لما يُقال عن فوائده بالنسبة لصحة الإنسان، ولكن ما الدليل العلمي على ذلك؟ في السطور المقبلة يستعرض غابريال نيل، وهو أستاذ جامعي متخصصٌ في طب الأسرة، الدراسات العلمية المتعلقة بهذا الموضوع.

عندما كنا أنا وأخي طفليْن في ثمانينيات القرن الماضي، كان يستهوينا الذهاب إلى سلسلة مطاعم “لونغ جون سيلفرز” للوجبات السريعة، المتخصصة في المأكولات البحرية.

لكن الأسماك لم تكن بغيتنا الوحيدة، بل كنا نذهب أيضاً إلى هناك من أجل الخل؛ أو خل الشعير تحديداً. فقد كان يحلو لنا نزع غطاء قارورة الخل ونحن على الطاولة، لنحتسي منها مباشرةً وبشراهة هذا المشروب قوي النكهة وشديد اللذة بالنسبة لنا.

هل شعر الجانب الأكبر منكم بالنفور من قراءة ذلك؟ ربما، لكن هل كنّا سابقيْن لعصرنا بكثير؟ يبدو ذلك صحيحاً.

فبعض المضامين المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك بعض نتائج عمليات البحث على شبكة الإنترنت، تقودك للاعتقاد بأن تناول الخل يعالج كل الأمراض، وكأنه أكسير الحياة.

وفي هذا الصدد، ستجد أنه سيروق لأصدقائك وزملائك سرد القصص التي تستعرض “القدرات العلاجية” لخل التفاح، وذلك للقول إنه كاف لشفائك من أي مشكلة صحية تكون قد ذكرتها على مسامعهم للتو.

فإذا شكوت مثلاً من آلامٍ مزمنةٍ تشعر بها في الظهر عندما تعكف على قص الحشائش، ستجد منهم من يباغتك بالقول “إذن فلتحتسِ الخل”، وإذا حدثّت أحدهم عن أنك بحاجة إلى أن تفقد عشرة كيلوغرامات من وزنك كي تصل إلى الوزن المثالي، فسيرد عليك قائلاً: “سيذيبها الخل فوراً”.

بل إن الأمر قد يبلغ حد أن تسمع من يقول لك: “هل أصبت بالزهري مرةً أخرى؟ الخل هو الحل كما تعلم”.

وبصفتي طبيباً مُمارساً وأستاذاً جامعياً في الطب، يسألني الناس طوال الوقت عن فوائد تناول خل التفاح. واستمتع بهذه اللحظات نظراً لأن الفرصة تسنح لنا خلالها للتحدث عن تاريخ الخل “بشكلٍ مركزٍ”، وذلك قبل التطرق بعد ذلك إلى كيف يمكن أن يكون هذا المشروب مفيداً لأولئك الأشخاص.

فمن الناحية التاريخية، استُخْدِمَ الخل لعلاج الكثير من العلل والأمراض.

وترتبط بضعة أمثلة على ذلك بالطبيب الإغريقي الشهير أبوقراط، الذي نصح بتناول الخل لعلاج السعال ونزلات البرد. كما أن هناك أمثلةً أخرى مرتبطةٌ بالطبيب الإيطالي تومازو ديل غاربو، الذي كان يغسل يديه ووجهه وفمه بالخل خلال فترة تفشي الطاعون عام 1348، أملاً في أن يقيه ذلك من الإصابة بالعدوى.

بالإضافة إلى ذلك، يُشكّلَ الماء والخل مشروبيْن مُنعشيْن منذ عصر الجنود الرومان، وصولاً إلى عصرنا الحديث الذي يحتسي فيه الرياضيون هذين المشروبين للتخفيف من شدة ظمأهم.

وهكذا وجدت الحضارات القديمة والحديثة في العالم استخداماتٍ نافعةً شتى للخل الذي يسميه البعض “النبيذ ذي الطعم الحامض”. ولكن بينما توجد الكثير من الإفادات التاريخية والسرديات المتعلقة بمناقب الخل، لا بد لنا أن نتساءل عما تفيد به الدراسات العلمية بشأن العلاقة بينه وبين الصحة.

على أي حال، اسْتُمِدَتْ غالبية الأدلة الموثوق بها التي تفيد بوجود فوائد صحيةٍ للخل من عدد محدود من الدراسات التي جرت على البشر، وتضمنت استخدام خل التفاح.

وقد أظهرت إحدى هذه الدراسات أن تناول ذلك النوع من الخل يمكن أن يُحَسّن مستويات الغلوكوز في الدم، في فترة ما بعد تناول الطعام، لدى المصابين بما يُعرف بـ”مقاومة الإنسولين”، وهي حالة يصبح الإنسولين الموجود في الدم، أقل فعالية في تخفيض مستوى السكر فيه.

فقد تبين أن تناول 11 شخصاً ممن يعانون مما يُسمى طبياً “مقدمات السكري” 20 ميلليمتراً من خل التفاح – أي أكثر قليلاً من ملعقةٍ صغيرةٍ – أدى لتقليص مستويات السكر في الدم لديهم، خلال فترة تتراوح ما بين 30 إلى 60 دقيقة بعد تناولهم الطعام. وأظهرت الدراسة أن فاعلية الخل كانت أكبر في هذا الصدد مقارنة بمن تناولوا ما يعرف بالدواء الوهميٍ “بلاسيبو” خلال الدراسة.

هذا أمرٌ جيدٌ بكل الأحوال، لكن علينا أن نتذكر أن هذا الأثر الإيجابي ظهر على 11 شخصاً فحسب، كانوا يعانون من “مقدمات السكري” وليس مرض السكري نفسه.

وقد أظهرت دراسةٌ أخرى أُجريت على بالغين يعانون من البدانة أن تناول خل التفاح أدى إلى حدوث نقصٍ ملموسٍ في الوزن وكتلة الدهون وكذلك في مستوى ما يُعرف بـ” ثلاثي الغليسريد”، وهو نوعٌ من المواد الدهنية الموجودة في الجسم، وله وظائف مفيدة للإنسان.

ولهذا الغرض،

اختار الباحثون 155 يابانياً بالغاً من البدناء، وقسموهم إلى ثلاث مجموعات، تناولت أولاها 15 ميلليمتراً – أي نحو ملء ملعقةٍ كبيرةٍ – من خل التفاح يومياً، بينما وصلت الكمية المُعطاة بشكلٍ يوميٍ للمجموعة الأخرى إلى 30 ميلليمتراً يومياً، أي ما يزيد قليلاً على ملء ملعقتيْن كبيرتيْن.

أما المجموعة الثالثة فقد أُعطيت دواءً وهمياً في شكل مشروب. وتابع الباحثون أوزان المبحوثين وكتلة الدهون وكذلك مستوى “ثلاثي الغليسريد” لدى كلٍ منهم، ليرصدوا حدوث انخفاضٍ في المؤشرات الثلاثة سالفة الذكر كافة بالنسبة لأفراد المجموعتين الأولييْن.

ورغم أن نتائج هذه الدراسة لا تزال تحتاج إلى تأكيدٍ لها عبر إجراء دراساتٍ أكبر وأوسع نطاقاً، فإنها تظل مُشجعةً.

وتُظهر الدراسات التي تُجرى على حيوانات – وبالأحرى فئرانٌ على الأغلب – أن ثمة إمكانية لأن يؤدي تناول الخل إلى تقليل مستوى ضغط الدم وتقليص الخلايا الدهنية الموجودة في منطقة البطن.

وتساعد هذه النتائج على تبرير إجراء دراساتٍ لاحقةٍ على البشر هذه المرة، لكن من الضروري التأكيد هنا على أن أي ادعاء بوجود فوائد صحية لتناول الخل استناداً إلى الدراسات التي أُجريت على الحيوانات فقط، هو أمرٌ لا يمكن الاعتماد عليه وحده.

وبشكلٍ إجماليٍ، من الضروري أن يتم تأكيد وجود الفوائد الصحية – التي يُعتقد أنها تنجم عن تناول الخل – من خلال إجراء دراسات أوسع نطاقاً على البشر، وهو ما سيحدث بالقطع في ظل استناد الباحثين في دراساتهم إلى ما يجري بحثه ودراسته حتى الآن بالفعل، بشأن تأثير تناول هذا المشروب، سواء من جانب البشر أو الحيوانات.

وهنا يثور سؤالٌ آخر مفاده؛ هل هناك أي دليل يفيد بأن الخل ضارٌ بصحتك؟

الإجابة كلا في الواقع، إلا إذا كنت – بطبيعة الحال – تشرب منه كمياتٍ كبيرةً بإفراطٍ، أو تتناول خلاً يحتوي على حمض الاسيتيك بتركيزٍ عالٍ، مثل الخل الأبيض المُقّطر الذي يُستخدم للتنظيف.

ولعل من الواجب هنا أن نعلم أن النسبة المسموح بها لحمض الاسيتيك في الخل الصالح للاستهلاك الآدمي، تتراوح ما بين 4 إلى 8 في المئة لا أكثر. كما يمكن أن يكون الخل مُضراً إذا فركت به عينيْك، أو إذا قمت بتسخينه في وعاءٍ من الرصاص، كما كان يفعل الرومان لجعله ذا مذاقٍ حلوٍ.

في كل هذه الحالات سيصبح الخل ضاراً بصحتك. بالمناسبة يجدر بك ألا تُسخِّن أي نوعٍ من الطعام في وعاءٍ من الرصاص، لأن ذلك ضارٌ على الدوام.

لذا بوسعك الاستمتاع بوجبتك من الأسماك والبطاطا المقلية (البطاطس)، وعليها الخل أيضاً، إذ أن ذلك لن يؤذيك. ورغم أنه قد لا يمنحك كل الفوائد التي تأمل في الحصول عليها منه، ولن يشكل بالتأكيد ترياقاً لكل الأمراض، فإنه سيظل شيئاً تستمتع به أنت والبشر في مختلف أنحاء العالم.

الآن، ما عليك سوى أن ترفع قارورتك من خل الشعير عالياً لتقرع بها قارورتي، ونحتسي ذلك النوع من الشراب في صحتنا معاً.

المصدر : بي بي سي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى