فقر الدم : الأنواع والأعراض
يحتوي جسم الإنسان على ما يقارب الخمسة لترات من الدم. في كل لتر تسبح حوالي خمسة تريليونات من كريات الدم الحمراء! لابد وأن تكون بهذا العدد، حيث أن هذه الخلايا تحوي مادة ثمينة لجسم الإنسان وهي مادة الهيموجلوبين، والتي من شأنها حمل جزيئات الأوكسجين المستنشقة وتوفيرها لجميع خلايا الجسم لاختزالها فيما بعد في عمليات الاستقلاب (الأيض) وبالتالي لإنتاج الطاقة.
تصنع كريات الدم الحمراء في نخاع العظم، في الحقيقة نحن ننتج آلاف الملايين من هذه الخلايا كل يوم. إن المحفز الأول لجسم الإنسان لزيادة إنتاج كريات الدم الحمراء هو الأوكسجين، فنقصه في خلايا الجسم تستشعره أنسجة موجودة في الكليتين والتي من شأنها إفراز هرمون الإيرثروبويتين [erythropoietin] لزيادة إنتاج هذه الخلايا، وبالتالي يكون الحاصل هو زيادة توفير الأوكسجين لخلايا الجسم.
أحيانًا قد يكون الجسم ليس بحاجة لزيادة في كريات الدم الحمراء وإنما نقص الأوكسجين في خلايا الجسم قد يعود لنقصه في الجو، ولكن قراءة الجسم لهذا الوضع واحدة وهي المزيد والمزيد من التصنيع لهذه الخلايا وبالتالي عدد من الخلايا الحمراء فوق العادة! وهذا ما يرى عند قاطني الأماكن المرتفعة؛ فنقص الأوكسجين المحيط قابله زيادة “غير مرضية وبنسبة محدودة” في إنتاج كريات الدم الحمراء وبالتالي زيادة في توفير الأوكسجين لخلايا الجسم، وهذا يفسر مقدرة قاطني الأماكن المرتفعة على العمل الشاق ولفترات طويلة.
بعد انتهاء تصنيع كريات الدم الحمراء، تخرج من نخاع العظم إلى الدم، و تستمر بأداء وظيفتها على مدى ثلاثة أشهر حتى تموت ويتم إعادة تصنيع ما تحويه من حديد وبروتينات موجودة في مادة الهيموجلوبين، لا شيء يذهب هباءً.
فقير أو فقيرة الدم لا يمتلكون الكم الكافي من مادة الهيموجلوبين الموجودة في كريات الدم الحمراء؛ إما لعيبٍ في التصنيع أو لسببٍ أدى لموت هذه الخلايا مبكرًا، أو بسبب فقدان حاد للدم. وهذا يسبب نقص في توفير الأوكسجين لخلايا الجسم مما يؤدي إلى الأعراض التي تظهر على المريض، وهي:
الشعور بالتعب والإرهاق رغم النوم الكافي.
صداع وصعوبة في التركيز.
ضيق التنفس -خاصة عند الإجهاد-؛ وهذا يعود لعدم توفر ما يكفي من “الناقلات” -إن شئت- لتلبية الطلب المتزايد على الأوكسجين.
شحوب أو امتقاع اللون، وهذا يكون أكثر وضوحًا في الملتحمة [conjunctiva].
خفقان القلب، وهي إحساس الشخص بسرعة دقات قلبه.
بالإضافة لأعراض أخرى تخص كل نوع، وسيأتي ذكرها.
“يعرّف فقر الدم بأقل من 14 غرام/ديسي ليتير من الهيموجلوبين في الدم عند الذكور وأقل من 12 غرام/ديسي ليتر عند الإناث”
“وجدت دراسة أجريت عام 2007-2008 على 268 طالبة من جامعة طيبة في المدينة المنورة أن 64٪ منهن لديهن مستوى هيموجلوبين دون الـ 12 غرام/ديسي ليتر!”
بالنسبة لفقر الدم الناتج من عيبٍ في التصنيع فهو يعود إما:
لفشل نخاع العظم نفسه نتيجةً لسرطانٍ متفشٍ، وهذا ما نراه غالبًا عند مرضى اللوكيميا، وبما أن النخاع هو مصنع لخلايا الدم جميعها، الحمراء، والبيضاء، والصفائح الدموية، فإن العطب لا يقتصر على كريات الدم الحمراء فحسب، وما يرى في مرضى اللوكيميا ليس مجرد فقرٍ في الدم، بل عرضة للعدوى المستمرة، والنزيف المتكرر، والكدمات الناتجة من أبسط الإصابات. والعدوى قد تفتك بمريض اللوكيميا الحادة إن لم يخضع للعلاج مبكرًا!
أو قد يكون العيب في التصنيع ناتج من فشل كلوي أدى لنقص في إفراز هرمون الإيريثروبويتين [erythropoietin] المحفز لإنتاج كريات الدم الحمراء مما يؤدي إلى فقر في الدم.
أو قد يكون عيب التصنيع نتيجة لعدم توافر المواد اللازمة لتصنيع كريات الدم الحمراء، كالحديد و فيتامينات ب9 (حمض الفوليك) و ب12 (الكوبالمين).
رغم كون الحديد أحد أكثر العناصر وفرةً في كوكب الأرض، ورغم وفرته في اللحوم و الكبد، فنقص أو عوز الحديد هو أكثر مسببات فقر الدم انتشارًا، بل إن فقر الدم أحيانًا يعرّف بأنه عوز الحديد! وهذا يعود إلى المقدرة المحدودة لجسم الإنسان على امتصاص الحديد، وأيضًا لفقدان أغلب الحديد من الجسم جراء النزيف المتكرر، خاصة في الطمث عند النساء. بالإضافة إلى الأعراض والتي سبق ذكرها، ترافق عوز الحديد الأعراض التالية:
وهن وتفعر الأظافر وتسطحها.
التهاب غير مؤلم في اللسان.
فقدان الذاكرة.
تشقق واحمرار في زاويتي الفم.
قد يكون هنالك عسر في البلع.
نادرًا، القَطَا أو شهوة الغرائب، وهو التوحم على ما لا يصلح للأكل، كالورق، والتراب، والشعر، والطباشير!
أما فقر الدم الناتج من نقص فيتامين ب12 فهو يعود غالبًا نتيجة لاتباع حمية نباتية مطلقة؛ وذلك لتواجد فيتامين ب12 في المصادر الحيوانية فقط. أيضًا قد يعود نقصه نتيجة لسوء امتصاصه من الأمعاء كما يحدث عند الأشخاص الذين خضعوا لعملية استئصال للمعدة (للمعدة دور مهم في امتصاص فيتامين ب12 في الأمعاء)، أيضًا قد يعود نقصه نتيجةً لمرض يدعى فقر الدم الخبيث [pernicious anemia]، وهو مرض مناعي ذاتي يتسبب في فشل المعدة من لعب دورها في امتصاص فيتامين ب12 من الأمعاء. إضافة للإعراض السابق ذكرها، يصاحب هذا النوع من فقر الدم التالي:
يرقان، نتيجة لتكسر كريات الدم الحمراء وتحللها، وذلك يعود لعدم اكتمال نموها.
التهاب مؤلم في اللسان.
تنميل في الأقدام وفقدان التوازن.
فقدان للذاكرة.
أما فقر الدم الناتج من نقص فيتامين ب9 (حمض الفوليك) فيعود إما لنقصه في الغذاء أو لسرعة استهالكه كما يحدث عند المرأة الحامل نتيجة للزيادة في عمليات الاستقلاب (الأيض).
“يتواجد حمض الفوليك في السبانخ، البروكلي، الكبد والكلى”
“الطهي يؤدي إلى فقدان 60-90٪ من حمض الفوليك الموجود في الطعام!”
السبب في كون نقص فيتامين ب9 أو ب12 يؤدي إلى فقر الدم يعود لدورهما في تصنيع الحمض النووي للخلايا، فنقصهما يؤدي إلى تعثر في استنساخ الحمض النووي وبالتالي الانقسام التام للخلية. وهذا قد يفسر لماذا كريات الدم الحمراء في هذا النوع من فقر الدم تبدو أكبر من الحجم الطبيعي تحت المجهر.
“مرضى السيلياك قد يعانون من فقر دم ناتج من نقص فيتامين ب9، ب12 والحديد في نفس الوقت نتيجة لسوء الامتصاص من الأمعاء بسبب الالتهاب المزمن عند هؤلاء”
فقر الدم الناتج من موت أو نقص عمر كريات الدم الحمراء قد يكون:
لخلل في تصنيع الهيموجلوبين، ومثال على ذلك: الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، وسيأتي ذكرهما.
مناعي ذاتي، بمعنى أن الجسم نفسه هو من يهاجم الخلايا الحمراء، وهذا قد يحدث جراء نقل دم من متبرع لا يتطابق مع دم المستقبل.
لعدوى، كالحاصل عند العدوى بالملاريا.
لخلل إنزيمي [G6PD deficiency] ، أي أن الخلايا الحمراء تنقص إنزيم معين [G6PD] من شأنه حمايتها من التحلل عند التعرض لبعض المواد المؤكسدة كبعض الأدوية والفول؛ لذا فالمرضى المصابين بهذا الخلل الإنزيمي تصيبهم أنيميا الفول بعد تناوله، والذي يستوجب نقل دم للمريض فورًا، وإلا فالمصير غالبًا الموت!
الأنيميا المنجلية أو فقر الدم المنجلي هو مرض وراثي تبدأ أعراضه في الظهور مبكرًا عند الأطفال، وفيه يرث المريض من أبويه طفرة جينية تؤدي إلى تصنيع نوع غير طبيعي من الهيموجلوبين. هذا النوع من فقر الدم يصيب غالبًا ذوي الأصول الأفريقية، وهو أيضًا منتشر في الهند، الشرق الأوسط وجنوب أوروبا.
الطفرة الجينية الموروثة تتسبب بجعل كريات الدم الحمراء تأخذ شكلًا هلاليًا “خاصةً عند نقص الأوكسجين” تحت المجهر، هذه الخلايا الهلالية لا تعيش في الدم بقدر ما تعيش كريات الدم الطبيعية، مما يؤدي إلى سرعة تحللها. بالإضافة إلى مقدرتها على إحداث انسداد في الشعيرات الدموية مما يؤدي إلى نوبات على مدار العام من الآلام الحادة في العظام، كعظام اليدين، القدمين. عند الأطفال، يرافق هذه الآلام تورم في اليدين أو القدمين!
عواقب أخرى لفقر الدم المنجلي:
.
أثبتت الدراسات أن النمو عند المصابين بالأنيميا المنجلية هو أبطأ من نظائرهم الذين لا يحملون المرض.
تقرحات في الساق.
تضخم الطحال عند الأطفال. وهذه حالة تهدد حياة المريض؛ كونها تؤدي إلى هبوط في الضغط قد يؤدي إلى الموت.
متلازمة الصدر الحاد.
جلطة في الدماغ -غالبًا عند الأطفال والمراهقين-.
“الأنيميا المنجلية مرض شائع في المملكة العربية السعودية وخصوصًا في المنطقة الشرقية!”
الشفاء من الأنيميا المنجلية -بعد إذن الله- يكون بزراعة نخاع عظم للمريض، وهذا لا يتسنى للجميع.
هدف العلاج هو التقليل من المضاعفات والعواقب، كفقر الدم والآلام الناتجة من انسداد الأوعية وجلطة الدماغ.
حمض الفوليك يعطى للمرضى بالأنيميا الانحلالية -الناتجة عن قصر عمر كريات الدم الحمراء- عمومًا.
كالأنيميا المنجلية، فإن الثلاسيميا أو فقر دم حوض البحر المتوسط هو مرض وراثي يقوم فيه الجسم بتصنيع نوع غير طبيعي من الهيموجلوبين. تبدأ أعراض هذا المرض بالظهور في وقت مبكر من العمر. وكما يشير الاسم، يكثر انتشار هذا المرض عند مناطق حوض البحر المتوسط بالإضافة عند من ترجع سلالاتهم للشرق الأوسط والهند.
ليس كل حاملي الطفرة الوراثية يعانون من نفس شدة المرض. ولكن في كثير من الحالات، يعاني المريض من أنيميا حادة وبحاجة لنقل دم مستمر. أعراض أخرى للثلاسيميا:
تضخم في الكبد والطحال.
تشوه في عظام الرأس.
تأخر في النمو.
زراعة نخاع العظم أو الخلايا الجذعية تضمن الشفاء -بعد إذن الله- من هذا المرض، وإلا في كثير من الحالات، يعيش المرضى على نقل ما يقارب 3 وحدات من الدم كل 4 إلى 6 أسابيع.
التبرع لهؤلاء بالدم هو ما يبقيهم على قيد الحياة بعد مشيئة الله.
“ختامًا، فقر الدم ليس تشخيصًا بحد ذاته، بل لابد من البحث عن المسبب له”
المصدر: مجموعة نون العلمية