فن

فنان فلسطيني يحارب الألم بلوحات الجمال

بعد إصابته بكسر في ساقه بحادثة سقوط في منزله، لم يتوقف الرسام الفلسطيني المعروف فاروق جلال (70 عامًا) عن التهام المسكنات بشكل يومي، قبل أن يتوصل لعلاج وجده أكثر فاعلية، وهو “رسم نساء جميلات”.

عندما بدأ برسم لوحة لامرأة جميلة في ذلك اليوم في المستشفى بألمانيا، لم يتناول فاروق أي أدوية، وقرر الانهماك في خلق صورة لامرأة تخيلها بأنها في غاية الجمال.

وقال فاروق، لـ “إرم نيوز”: “وضعت كل عقلي وقلبي وتفكيري وجسدي في العمل على هذه اللوحة من على سريري بالمستشفى، واندهشت كثيرًا عندما نسيت الألم في ساقي تمامًا”.

وأضاف: “عملت على هذه اللوحة لفترة طويلة، وكنت كلما انتابتني نوبة ألم جديدة في ساقي ألجأ إلى العمل على اللوحة، واُشغل نفسي كليًا بها دون تناول أي أدوية أو مسكنات.. أردت الهرب من الألم دون مساعدة المسكنات.. أظن أني قد نجحت”.

وأشار فاروق، الملقب بـ أبو جلال، إلى أن المرأة التي رسمها هي في غاية الجمال ولكنه لا يعرف لماذا قرر وضع شامة على أسفل خدها الأيسر.

وأكد أن المرأة ليست حقيقية، وأنه لم يلتق بها في الواقع، إنما هي من وحي خياله، رغم أنه يعتبرها “انعكاسًا لجميع النساء الجميلات”.

وعلى عكس لوحة الموناليزا، فإن المرأة في لوحة أبو جلال تمتلك شفاهًا أكبر وترتدي غطاء رأس وحلقتي أذن كبيرتين وعقدًا في رقبتها، في حين أنه تخيل المرأة من الجانب الأيسر بعكس الموناليزا التي رسمت من الجانب الأمامي.

وقال أبو جلال، الذي عاش معظم حياته لاجئًا في لبنان، بعد طرد الفلسطينيين من ديارهم عام 1948: “لم ألتقِ هذه المرأة في حياتي، لكنك إذا التقيت بمثلها أرجوك أن تسألها إذا كانت تعرفني.. أنا متأكد أنها ستقول إننا لم نلتق أبدًا”.

وأضاف: “لكني أؤكد لك أن جمال هذه المرأة ليس بغريب عليّ؛ لأنها تمثل جمال المرأة الحقيقي، وأنصح جميع النساء بأن يدركن جمالهن عندما ينظرن إلى المرآة في الصباح”.

وأقام أبو جلال معارض عديدة للوحاته في لبنان وألمانيا، التي تعكس في معظمها حنينه لوطنه المسلوب، وخاصة قريته الصغيرة ميرون في الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة.

ويبدو أن أبو جلال وقع في حب المرأة التي رسمها إذ يقول: “إنها امرأة جمالها أخاذ، ويمكنك أن ترى الحب والدفء وهما يتدفقان من شفتيها.. يمكنك أن ترى جمال عينيها اللتين تشبهان نجمتين متلألئتين في السماء في ليلة مظلمة”.

ويتابع: “ما قمت به في هذه اللوحة أنساني ألمي الجسدي، وعوضني عن تناول الأدوية باستمرار.. اكتشفت أن الفن الحقيقي هو مثل الدواء المسكن، وأن الجمال الحقيقي يمكنه أن يخدرك ويجعلك تنسى الألم والوجع.. وأود الآن أن أدعو النساء إلى احترام جمالهن، ولا يعرضن أنفسهن أبدًا مثل بضاعة رخيصة.. أقصد أن على المرأة أن تحترم ما وهبها الله من جمال، وأن لا تتصرف على أن الجمال مجرد سلعة أو بضاعة للبيع”.

وفي لوحات أخرى يستذكر أبو جلال قريته في فلسطين عندما كان طفلًا صغيرًا من خلال رسم الحقول والبساتين والينابيع وأشجار الزيتون والتين والرمان واللوز والمشمش وعناقيد العنب التي كانت تغطي الساحة الخارجية لمنزله هناك.

يقول أبو جلال: “عندما اضطررت لمغادرة قريتي في فلسطين، كنت مجرد طفل صغير لم أتجاوز أربع السنوات من العمر.. ولكن حياة الطفولة وملامح قريتنا الجميلة وحقولها وجبالها وأوديتها وينابيعها لا تزال تطغى على ذاكرتي ولن أنساها ما حييت”.

ويضيف: “بعد خروجنا من وطننا، اعتقدت أني سأعود إلى قريتي خلال أشهر قليلة أو سنة على الأكثر.. مرت السنة وسنوات أخرى ولم يكن هناك عودة.. ولكن ذكرى الحقول الخضراء لا تزال ماثلة في عقلي وقلبي وعيني، ما زلت أتذكر روعة وجمال الأرض والأشجار والجبال والوديان والفواكه المعلقة التي كانت تلمع في الشمس، هذه الأرض والطبيعة والثمار دائمًا تشعل ذاكرتي وتحفزني للرسم أكثر وأكثر، وهذا في الحقيقة يساعدني على إبقاء حلمي بالعودة حيًا وقويًا لأن لون العنب في التلال والوديان والحقول المحيطة بقريتي لن يختفي أبدًا من ذهني”.

ويقيم أبو جلال في ألمانيا، وهو متزوج وله العديد من الأبناء والأحفاد، ووالده جلال محمد عبداللطيف، أول شهيد فلسطيني في لبنان، إذ استشهد في بداية الستينيات.

المصدر : إرم الاخبارية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى